تقارير

طه.. رسائل بالبريد السريع فهل من مجيب؟!

جاء المؤتمر الصحفي للنائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، صباح امس الثلاثاء جاء مخالفاً لكل التوقعات، إذ إنه بدأ وعلى غير العادة بمنح الفرصة للصحفيين لطرح أسئلتهم واستفساراتهم منذ البداية، وزادت الأسئلة المطروحة عن العشرين سؤالاً في مختلف القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، أجاب عنها “طه” بأريحية كاملة وبتفاصيل مطولة، ورغم أن الموعد المحدد قد تأخر لـ(23) دقيقة إلا أن الزمن الكلي للمداخلات والإجابات على الأسئلة وصل إلى حوالي (100) دقيقة حسبما حددها الوزير “محمد المختار حسن حسين”، وربما تصلح تلك الدقائق لتكون نواة لرسم مستقبل بأكمله حال تجاوبت الأطراف المعنية بالدعوات التي أرسلت لها؛ طلباً للحوار والاشتراك في الهم الوطني، ولعل القضايا التي خرجت من خلال الأسئلة غطت بشكل كبير اهتمامات الصحافة والرأي العام خلال الفترة الحالية، ولكن كانت القضية التي ربما تشغل الناس في اليومين القادمين هي حديث “طه” عن عدم ممانعته في اللقاء مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي د.”حسن الترابي”.
ترشيح الرئيس
وتحدث النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” عن قضية خلافة الرئيس “البشير”، الذي أعلن عدم رغبته في الترشح لدورة جديدة قادمة، حيث قال “طه” إن القرار النهائي بشأن خلافة الرئيس “البشير” تحدده أجهزة ومؤسسات المؤتمر الوطني والمجتمع السوداني بأكمله، من خلال التفاعل الذي أظهره منذ إعلان الرئيس “البشير” عن رغبته في عدم الترشح، وأضاف: (القضية لم تعد قضية سلطة يتباهي بها الناس)، مبينا أن قرار الرئيس “البشير” لا يعني إلقاءه بمسؤولياته التي حملّها إياه الشعب، موضحاً أنه لابد من تجديد القيادات داخل الحزب ومؤسسات الدولة، مشدداً على منهج تواصل الأجيال. وقال إن معرفته بالرئيس “البشير” تجعله يؤكد بأنه بما يعرفه عنه ليس من الرجال الذين يلقون بالأمانة عن كاهله ويمضي فى سبيله دونما اكتراث، وزاد “طه” بالقول: (الرئيس “البشير” بما عرفته عنه صادقاً في حديثه)، وذهب إلى أن ذلك الإحساس يعبر عنهم جميعاً باعتبار أن المسؤولية الوطنية أمانة خزي وندامة إلا من أداها بحقها، وأضاف: (الحديث عن أنه لن يترشح مرة أخرى يعبر عن ذاته بصدق وعن ذواتنا جميعاً والجميع يعرف هذا ولكن القرار النهائي في هذا الشأن بيد أجهزة ومؤسسات المؤتمر الوطني والمجتمع السوداني بأكمله)، وأكد وجود استحقاقات بنص الدستور والبرنامج الانتخابي الذي قدمه الرئيس “البشير” قال إنها تقتضي أن يؤسس لها من خلال دوره ومسؤوليته الوطنية، وشدد النائب الأول على ضرورة معالجة قضية إعلان الرئيس رغبته في عدم الترشح مجدداً بعيداً عن العاطفة.
قضية الجنوب
وفي جانب آخر أخذت قضية العلاقة مع دولة الجنوب الحيز الأكبر من الشرح والتفصيل من خلال المؤتمر الصحفي للنائب الأول لرئيس الجمهورية من خلال عودته لتفاصيل اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) وارتباطها بقضايا الحوار الحالية مع الجنوب أو منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وبدا “طه” أكثر حرصاً على تلك القضية من خلال قوله إنه وخلال العطلة التي قضاها بالخارج كان يتابع فقط قضايا الحوار مع دولة الجنوب.
وذهب “طه” مباشرة للربط بين متابعته لقضايا الجنوب مع الحوار المرتقب مع الحركة الشعبية قطاع الشمال والمقرر له منتصف أبريل المقبل، حيث قال إن التفاوض مع قطاع الشمال يأتي في إطار استكمال ما تبقى من اتفاقية “نيفاشا” في بنود المشورة الشعبية والترتيبات الأمنية، وشدد على أن من حق “مالك عقار” و”عبد العزيز الحلو” التفاوض على قسمة الثروة أو المشاركة في السلطة لكنه اشترط أن يكون ذلك في منبر يضم كل أبناء السودان، وأضاف: (لا سبيل للاستمرار في الحلول المجزأة). وقال إن الدولة لا يعيبها أن تكون مبادرة للالتقاء بخصومها السياسيين، وزاد بالقول: (ذلك لا يعني أن يكون شيك على بياض لكل شخص لكي يحمل السلاح ويطلب من الدولة أن  تتفاوض معه). وعبر النائب الأول عن كامل رضاه عن اتفاقية “نيفاشا”، وشدد على أنهم لم يكونوا مجرد “كومبارس” في المفاوضات، نافياً أن يكون وسطاء الدول الغربية قاموا بإملاء مواقف معينة لتمريرها أثناء التفاوض، وقال إن “نيفاشا” تمثل اجتهاداً سياسياً لا يدعي له الكمال، وأضاف: (عملته بإخلاص لله وللوطن ولأهلي)، مبيناً أن الحكم على “نيفاشا” يتركه لحكم التاريخ.
لقاء الترابي
وعلى خلفية حديث النائب الأول عن لقائه مع نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي د.”علي الحاج”، فقد فجر مفاجأة لم تكن على بال أحد من الحضور حيث قال إنه لا يمانع في لقاء الأمين العام للمؤتمر الشعبي د.”حسن الترابي” شخصياً شريطة أن يكون اللقاء مرتبطاً بما يدفع الأمور للأمام وقال: (لا أمانع من لقاء “الترابي”، ولم أرفض لقاءه من قبل)، ودعا “طه” لحوار وطني جامع للتوافق والتراضي حول مستقبل البلاد، وأكد استمرار الاتصالات مع القوى السياسية في الداخل والخارج للاتفاق على نبذ العنف وتوفير أدوات الديمقراطية وإضفاء المشروعية النهائية بالاحتكام إلى انتخابات حرة نزيهة، وزاد: (لابد من تجاوز مرحلة الشعارات إلى مرحلة التشريع والتنفيذ).
وربما تفتح تلك النوايا والرغبات الباب واسعاً أمام توحيد شطري الحركة الإسلامية خلال الفترة المقبلة، وربما تتعداها الى وحدة السودانيين بمختلف فصائلهم وأحزابهم حال صدقت النوايا التي بدأت بعدة مؤشرات في الأحاديث التي ذكرها الفرقاء السياسيون، ففي الوقت الذي يتحدث فيه النائب الأول بخاطر طيب ونوايا حسنة عن ما طرحه د.”علي الحاج”، يسبقه حزب الأمة القومي بتصريحات مماثلة من خلال إعلانه التمسك باستمرار الرئيس “البشير” في الحكم حفاظاً على وحدة البلاد.
وأعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية أن لقاءه مع د.”علي الحاج” جاء بمبادرة من الأخير، وقال إن اللقاء تطرق للقضايا الوطنية والتحديات والمهددات التي تواجه البلاد، وقال “طه” إن “علي الحاج” أكد استعداده لتجاوز ما حدث في السابق وأخذ العبرة منه باعتبار أن الجميع كانوا شركاء في الذي جرى (خيراً أو شراً ) – بحسب حديث “طه”. وقال إنهما اتفقا على وجوب مضي العلاقة بينهما في الاتجاه الموجب، وأضاف: (اتفقنا أنا و”علي الحاج” بأن السودان مستهدف)، مبيناً أنه أبدى استعداداً لتجاوز مرارات الماضي والمضي نحو إحداث حوار وطني جامع، وزاد بالقول: (أنا لمست من الرجل شعوراً عميقاً بالتحديات والمخاطر التي تجابه الوطن)، مبيناً أن “الحاج” أبدى استعداداً لتجاوز مرارات الماضي والمضي نحو إحداث حوار وطني جامع يعمل علي تقريب وجهات النظر بين المكونات السياسية كافة في ساحة العمل السياسي بالبلاد، بجانب الحرص علي حماية التوجه الإسلامي للدولة، وأضاف “طه”: (نحن مستعدون للمضي قدما نحو كل ما يعزز هذا الحوار عبر إبراز صدق النوايا وفتح الأبواب وطرح المبادرات والتوافق على الاحتكام للشعب في نهاية المطاف لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة). وكشف “طه” عن تفاصيل تُذكر للمرة الأولى عن لقائه مع د.”علي الحاج”، مبيناً أن اللقاء أكد على ضرورة نبذ العنف واعتماد الحوار حول مختلف القضايا باعتباره السبيل الوحيد الذي يمكن أن تعالج به كل الموضوعات والقضايا، وقال النائب الأول إنهما اتفقا وقبل التوقيع على المصفوفة الأخيرة بأديس أبابا على أن تمضي العلاقات مع دولة الجنوب في الاتجاه الموجب.
اضطراب إقليمي
العديد من الأسئلة التي طُرحت وجدت الإجابات بشكل تفصيلي سواء المتعلقة بالأوضاع الداخلية أو التي ترتبط بقضايا الجوار الأفريقي سيما الدول التي تجاور السودان ومن بينها أفريقيا الوسطى وما يحدث فيها من متغيرات، وقال “طه” إن السودان يراقب باهتمام ما يجري في أفريقيا الوسطى لما يترتب عليه من تأثيرات على الأمن القومي السوداني وأمن المنطقة،  وكشف عن تحركات واتصالات مع دول الجوار تتصل بتعزيز الاستقرار في أفريقيا الوسطى. وحمَّل “طه” الغرب خطورة ما نبه له السودان من إضفاء الشرعية على تفكيك الدولة ذات السيادة والحدود الموروثة من الاستعمار، وأضاف: (قلنا لهم إنكم دعمتم العديد من النماذج لوحدة البلدان ولكن عندما جاء الدور على السودان نفضتم أيديكم، وقلنا لهم إن ما حدث في السودان لن يتوقف عنده وسيمتد إلى بلدان أخرى كثيرة)، وتحدث صراحة عن تقصير المجتمع الدولي ومساندته لانفصال الجنوب خلافاً لمواقفه في مناطق أخرى، وحذر من خطورة اللعب على ورقة الإثنيات في السياسة الدولية التي قال إنها استُخدمت لانفصال الجنوب، وقال إن تلك القضية ستكون لها آثار كبيرة على الأمن والسلم الدوليين.
دافور والرعاية
وكشف النائب الأول لرئيس الجمهورية عن صدور قرارات وشيكة بشأن ولاة ولايات دارفور في إطار بسط الأمن وفرض هيمنة الدولة، كما كشف عن تعيين وزير للرعاية والضمان الاجتماعي على خلفية استقالة الوزيرة “أميرة الفاضل”، وقال إن اختيار وزير الرعاية سيكون في غضون الأسبوع المقبل، وأكد “طه” أن الحكومة تعمل على مراجعة الأداء التنفيذي لولايات دارفور في أعقاب التفلتات الأمنية في الإقليم، وأضاف: (نحتاج إلى معالجات سياسية وأمنية وإدارية خاصة)، وحذر من انتشار السلاح في أطراف دارفور وقال إنه يشكل تهديداً ليس على السودان فحسب وإنما على المنطقة بكاملها، ودعا لتكامل الجهود بين دول الجوار لمحاربة تلك الظاهرة. وقال النائب الأول إن موقعي (الفجر الجديد) لن يتمكنوا من فرض التغيير عن طريق القوة العسكرية، وقال إنه يُبشر من يسعون إلى إسقاط الحكومة بقوة السلاح بالفشل، مضيفاً  بأن  تجييش المليشيات لتغيير النظام لم يعد بالفاتورة الناجحة، ولفت إلى أن الظروف الإقليمية والمحلية ساعدت في نجاح انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م، وأضاف: (كنا محظوظين في السابق والظروف الإقليمية والمحلية كانت مواتية في تلك الفترة).
وجدد “طه” مناشدته للمواطنين عدم التستر على المفسدين شريطة تقديم البينه الصحيحة، وأكد حرص الدولة على ملاحقة المفسدين ومحاصرتهم وتقديمهم للعدالة عبر القانون، وأشار إلى أن أي دولة فيها الصالح والطالح وأضاف: (لا كبير على القانون). وقال “طه” إن المتغيرات الحالية ستعود بالخير على حياة المواطنين ومعيشتهم، وأكد أن الحكومة ستستفيد من تجارب الماضي وستوظف عائدات النفط المرتجاة من خلال عبور نفط الجنوب في تطوير الزراعة وتطوير الموارد المتجددة، وأكد أن تلك الإجراءات تحتاج لبعض الوقت، ودعا المواطنين لمزيد من الصبر الجميل.
يذكر أن المؤتمر الصحفي حضره مساعدا الرئيس د.”جلال الدقير” و”عبد الرحمن الصادق المهدي”، وحضور كبير من وفد الحكومة المفاوض برئاسة الوزير “إدريس محمد عبد القادر”، والوزير “محمد مختار”، ووزير الزراعة “عبد الحليم إسماعيل المتعافي”، وآخرين، بجانب رؤساء تحرير الصحف والوكالات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية