الاعمدةشهادتي لله

“حميدتي” غير مفوّض يا “مسار” .. وكذلك “علي عثمان”

قرأتُ مقالاً في الأسافير للأخ المهندس “عبدالله علي مسار” ، (لا) ينتقد فيه نقدي لمعايب و مظالم اتفاقية “جوبا” للسلام ، و لكنه حاول فيه الدفاع عن الفريق”محمد حمدان دقلو” (حميدتي) ، و زعم أنني تعرضتُ لشخصه وعضو مجلس السيادة الأستاذ “محمد حسن التعايشي” ، وهذا ما لم يحدث .
لقد ذكرتُ أسماء من تحملوا وزر هذه الاتفاقية المعيبة و لم أتعرض لأشخاصهم ، لأن الموضوع هو ما يعنيني و ليس الأسماء .
غير أنني كنتُ آمل أن ينبري للدفاع عن “حميدتي” شخصٌ آخر غير الصديق “مسار” ، لسبب بسيط ؛ حتى لا يُقال أنه يدافع عن (ابن عمه) ، لا عن قضية وطنية !
و يعلم كثيرون في دنيا الصحافة و السياسة أنني ترشحتُ – مُستقلاً – ضد الأخ “مسار” في الانتخابات البرلمانية عام 2010م ، بدائرة (الثورة – الغربية) ، بينما كان (المؤتمر الوطني) الحاكم يساند “مسار” ، بل أخلى له الدائرة و وجه عضويته بالتصويت له و أمر أجهزته الأمنية بمراقبة نشاطي و رصد ندواتي الجماهيرية ، حيث عجز وقتها بقية المرشحين (العشرين) من أحزاب مختلفة عن تنظيم ندوة سياسية واحدة ، فكانت المنافسة الساخنة محصورة بيني و صديقي ، أو بالأحرى بيني و المؤتمر الوطني !!
ذلك زمانٌ مضى بخيره و شره .. و مؤامراته ، لكنني الآن أشعرُ بقلقٍ يزيد كل ساعة على مستقبل البلاد في مواجهة هذا الإصطفاف (الجهوي) الجديد الذي أسست له اتفاقية “جوبا” ، وما يتبعها من اتفاقيات متوقعة على ذات النسق مع حركتي “عبدالعزيز الحلو” و “عبدالواحد محمد نور” .
لقد فشلت الحكومة الانتقالية بقيادة “حمدوك” و من فوقه المجلس السيادي بعسكرييه و مدنييه ، فشلاً لا جدال فيه ، أقر به و أعتذر عنه رئيس مجلس السيادة و نائبه، و عدد كبير من قادة الحرية و التغيير .
لكن الكارثة المُحدِقة بالوطن التي تتجاوز فشل الحكومة و عجزها الكبير البائن في ملفات الاقتصاد ، هي حالة الإصطفاف الجهوي و الإثني الذي ارتدى لبوس (السلام) و تغطى بالاتفاقيات ، لضرب وحدة الوطن ، و تمزيق نسيجه الاجتماعي .
فقد انتفضت قبائل (البجا) في شرق السودان ، و أغلقت الطريق القومي و عطّلت الحركة في مينائي “سواكن” و “بورتسودان” ، لأن اتفاق السلام المزعوم ظالمٌ و متجاوزٌ لأهل المصلحة و أصحاب القضية و التأثير و الغلبة في ولايات الشرق الحبيب .
العدالة لا تتحقق بالتمييز لإقليم على حساب أقاليم أخرى ، ولا بتعويض مُتضررين من مال مُهمّشين . فمن فوّض أعضاء مجلس السيادة (حميدتي ، التعايشي و كباشي) و هم من أبناء دارفور و كردفان ، ليمنحوا ولاياتهم حصصاً إضافية في السلطة و الثروة ، لا تستند على أي مرجعيات و معايير علمية و موضوعية ؟!
نعم يا “مسار” .. الفريق “حميدتي” غير مفوّض لتوقيع اتفاق يتكرم فيه من ثروات و وظائف مؤسسات الشعب السوداني الفقير كُله ، المُهمّش جُله ، ثم يخصص (مليارات الدولارات) للانفاق من مال الحكومة المركزية ، دون عدالة ، على ولايات محددة !!
و يسألني “مسار” : هل كان “علي عثمان محمد طه” مفوّضاً في (نيفاشا) ، وهل كان المرحوم “مجذوب الخليفة” مفوّضاً في “أبوجا” ، و هل كان ” غازي صلاح الدين” و “أمين حسن عمر” مفوّضيّن في اتفاق “الدوحة” ؟
و أرد عليه : بأنهم أيضاً لم يكونوا مفوّضين من الشعب السوداني للتقرير في قضايا قومية و مصيرية ، و لهذا فشلت كل تلك الاتفاقيات في تحقيق السلام ، فانفصل جنوب السودان – و هو بالمناسبة كان يمثل (رُبع) مساحة وسكان السودان و ليس (ثُلثه) – و لم يتحقق السلام لا في الشمال و لا في دولة الجنوب ، كما عاد للتمرد في أطراف دارفور السيد “مني أركو مناوي” و السيد “أبوالقاسم إمام” و غيرهما عشرات من قادة الحركات و مئات الجُند المسلحين ، بعد أن كانوا جزءاً من السلطة ، مساعداً للرئيس في القصر الجمهوري ، و وزراء و وزراء دولة و ولاة .
و لهذا نخشى أن يكون مصير اتفاق “جوبا” كمصائر اتفاقيات “نيفاشا” و “أبوجا” و “الدوحة” ، ففي الأخيرة كثير من العيوب و الثقوب ، ما يفوق ما ورد في سابق الاتفاقيات .
حسب آخر إحصاء سكاني تمثل ولاية الجزيرة نسبة (12%) من سكان السودان ، فهل أبناء الجزيرة ممثلون في السلطة المركزية وفق هذه النسبة؟!
يمثل سكان ولايات دارفور (الخمس) نسبة (21%) من سكان السودان ، فهل سيكون تمثيل أبناء الإقليم في مجلسي السيادة و الوزراء استناداً إلى هذه النسبة ؟
إذا أضفنا ممثلي (الجبهة الثورية) في تشكيلة مجلسي السيادة و الوزراء – حسب الاتفاقية- إلى الموجودين حالياً في المجلسين ، مُمثِلين لقوى الحرية و القوات المسلحة و الدعم السريع ، سنجد أن اختلالاً واضحاً سيطرأ على التركيبة الحاكمة للفترة الانتقالية المُمّدة ، التي سيعقبها تمديد (ثان) و مواقيت جديدة و قسمة إضافية في السلطة و الثروة بعد الاتفاق مع “الحلو” ، و ربما تمديد (ثالث) و قسمة ثالثة بعد الاتفاق مع “عبدالواحد” !!
إنني أدعو مركزية قوى الحرية و التغيير (قحت) إلى الإسراع في إجراء تعديلات واسعة على عضوية مجلسي السيادة و الوزراء ، و إدخال سياسيين محترفين إلى الجهازين السيادي و التنفيذي ، لحفظ التوازن الجهوي و المناطقي لكافة أقاليم السودان ، بعدالة و استقامة و مساواة ، مع مراعاة شروط الخبرة و القدرة و الكفاءة .
يجب على كل وطني غيور أن يقف مع مَنْ يمثل السودان الواحد الموحد ، لا يمثل جهةً و لا إقليماً و لا قبيلة ، بقدراته و خبراته و كفاءته ، سواءً كان من دارفور .. أو كردفان .. أو شمال .. أو وسط .. أو شرق السودان .
إن الحل الناجع و المانع لكل مشاكل السودان ، في الديمقراطية و التبادل السلمي للسلطة ، و أن تتحول كل هذه الحركات المسلحة إلى أحزاب سياسية ، تخاطب الشعب ببرامجها لا بسلاحها ، فيختار الشعب قيادته عبر صناديق الاقتراع .
حفظ الله السودان .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية