حوارات

رئيس اللجنة الفنية التابعة للجنة السياسية الأمنية فريق ركن "عماد عدوي" لـ(المجهر):

  تمكنت دولتا السودان وجنوب السودان بعد أكثر من ستة أشهر، التوقيع على مصفوفة لتنفيذ بنود الترتيبات الأمنية التي تم الاتفاق عليها في وقت سابق، وحالت تعقيدات كثيرة آنذاك برزت بعد التوقيع دون تنفيذها، وكان من أهم ما اتفقت عليه الدولتان في هذه الجولة، الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح بجانب منطقة (14 ميل) حسب ما نصت الاتفاقية، وللتعرف على تفاصيل هذه المصفوفة وحقيقة ما تم الاتفاق عليه التقت (المجهر) رئيس اللجنة الفنية التابعة للجنة السياسية الأمنية فريق ركن “عماد عدوي”، فماذا قال…
{ التوقيع على المصفوفة الأمنية كان مفاجئاً لجميع المتابعين.. ما الذي حدث في أعمال اللجان التحضيرية مهد لهذا الاتفاق غير المتوقع؟
– ملف الترتيبات الأمنية هو مفتاح لبقية الملفات بحكم الواقع والاتفاق في وقت سابق، بالتالي ما تهدف إليه الترتيبات الأمنية هو ضمان الأمن والاستقرار على الحدود بين الدولتين، الاتفاق الذي حدث مؤخراً لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان استمراراً للتفاوض، في الجولة قبل الأخيرة اتفقنا على كل النقاط فيما عدا نقطة واحدة وهي رفض دولة الجنوب جعل منطقة (14 ميل) منطقة منزوعة السلاح بالكامل وفق ما نص عليه الاتفاق، وكان مقترح الجنوب أنهم على استعداد لانسحاب جزئي من (14 ميل)، لكننا تمسكنا بموقفنا الثابت وهو أن تكون (14 ميل) منزوعة السلاح بالكامل، هذا الاختلاف كان السبب الرئيسي في عدم التوقيع في وقت سابق.
{ بدا مستغرباً موافقة حكومة الجنوب على التوقيع على المصفوفة الأمنية وتنازلها عن منطقة (14 ميل)؟
 – دولة الجنوب كانت تعتمد في الجولات السابقة على استراتيجيات مختلفة لعلها كانت تعتمد على نقل الملف إلى مجلس الأمن، والاختلاف كان في نقطة أساسية هي (14 ميل)، ولم تكن على استعداد للنظر في أي مقترح غير وجهة نظرها، وعندما اتضح لها أن هذا الأمر لن يتم نسبة للضغوط التي مورست عليها وافقت على الالتزام بما تم الاتفاق عليه في السابق، وعندما بدأت جولة الثامن من مارس الحالي، وبمجرد أن طرحنا قضية (14 ميل) للنقاش تقدموا بموافقتهم على التنفيذ ولم يستغرق الأمر وقتاً كبيراً.
{ ألم تفاجئوا من هذه الموافقة غير المشروطة؟
 – أبداً لم نفاجأ، لأنها خطوة منطقية ومستندة على اتفاق موقع بين رئيسي الدولتين، وبالتالي لا يوجد مبرر لرفضه من الأساس. وبعد هذه الموافقة السريعة والعاجلة لم يتطلب الأمر منا إلاّ تجديد محتويات الوثيقة السابقة التي احتوت على مواقيت قديمة، حيث كان التنفيذ يبدأ يوم 9 يناير الماضي، وبالفعل جلسنا معاً وتكلمنا عن الاتفاق على تواريخ زمنية جديدة واعتبرنا يوم 10 مارس هو بدء التنفيذ، وتم اعتبار يوم 14 هو تاريخ اصدار الأوامر الانذارية للقوات في الجانبين للانسحاب، حتى يوم 17 يكتمل الانسحاب. أما القوات الموجودة في (14 ميل) ونسبة لأن عدد القوات كبير، فإن الانسحاب يكتمل في يوم 24 مارس. اتفقنا أيضاً على أن تنسحب جميع القوات من المنطقة منزوعة السلاح في يوم 17 ويستمر لمدة 19 يوماً ويكتمل في مطلع أبريل المقبل، بعد ذلك تقوم بعثة اليونسفا للتحقق من ذلك وتعلن اكتمال ذلك في تاريخ 12 من أبريل المقبل. 
{ هل اقتصر الاجتماع الأخير للجنة الأمنية على جداول التنفيذ فقط؟
– لا، فقد وقعنا كملحق لجداول التنفيذ على وثيقة أخرى تحوي الاهتمامات والشكاوى الأمنية والسياسية، اتفقنا على أن يقوم أي طرف بتقديم أية اهتمامات أو شكاوٍ  للسكرتارية وهي بدورها تكمل بياناتها وترفعها الى رؤساء اللجنة السياسية الأمنية الذين يمتلكون عدة خيارات حسب اهتمام واختصاص اللجان، حيث يمكن إحالة الشكاوى إلى آلية المراقبة والتحري داخل المنطقة الأمنية أو إلى اللجنة الخاصة التي تمتلك صلاحية العمل بعمق (40) كيلو شمال وجنوب المنطقة الأمنية منزوعة السلاح، أو اللجنة الخاصة بمنطقة (14 ميل)، أو تنظر بواسطة الآلية السياسية، ثم أخيراً وفي حال شعرت بعدم وجود آلية للنظر في هذه الشكاوى حول وقف الايواء والدعم خارج المنطقة الأمنية منزوعة السلاح   يمكنها تشكيل آلية جديدة للنظر في ذلك، وهنا تكون اكتملت منظومة الآليات للتأكد من تنفيذ كافة بنود مذكرة التعاون وعدم الإيواء التي وقعت في 14 فبراير الماضي.
{ تحدثت عن لجنة مراقبة خاصة بمنطقة (14 ميل).. كيف سيتم تشكيل تلك اللجنة؟
– سيتم تشكيلها من الدولتين، بالإضافة إلى اليونسفا، الملمح البارز في منطقة (14 ميل) هي أننا اتفقنا على أن يستمر الوضع الذي كان سائداً لحل المنازعات فيها بواسطة القضاء الإداري، كما ستستمر الترتيبات الإدارية بين القبائل في إدارة المنطقة، المواطنون سيتلقون الخدمات الصحية والتعليمية المتنقلة، وستكون المحاكم عبارة عن محاكم مختلطة بين القبائل الموجودة، على أن تقوم بعثة اليونسفا بتوفير الحماية لهم.
{ بعثة اليونسفا بشكلها الحالي هل بمقدورها مراقبة كل المنطقة الأمنية منزوعة السلاح في هذه المرحلة المفصلية التي تشهدها العلاقة بين الدولتين؟
– اتفقنا على أن يكون تشكيل آلية للمراقبة من مراقبين من الدولتين بواقع (70) مراقباً من كل دولة، بالإضافة إلى (70) مراقب دولي نتفق نحن على الدول التي يأتون منها، وتنحصر مهمة القوات الإثيوبية على رئاسة بعثة المراقبين وتوفير الحماية للمراقبين، كان الاتفاق في وقت سابق أن يكون عدد اليونسفا (300)، لكن بعد ممارستهم للعمل في (أبيي) احتاجوا إلى زيادة عدد القوات، حيث احتاجوا إلى عناصر إدارية لإسناد تلك القوات كالمستشفيات الميدانية والوحدات الخاصة بالمهندسين ووحدات لإزالة الألغام خاصة في منطقة (سماحة) وما حولها. نظراً لكل تلك الاحتياجات وافقنا على زيادة قوات اليونسفا إلى (860) بدلاً عن (300)، لقناعتنا بالدور الكبير الذي تقوم به هذه القوات. كما أن منطقة (14 ميل) منزوعة السلاح جعلت هناك حاجة لزيادة عدد قوات اليونسفا.
{ المناطق الخمسة المتنازع عليها.. هل ستكون ضمن المنطقة منزوعة السلاح بالكامل؟
– ستكون المنطقة الأمنية في المناطق المتنازع عليها هي بحدود (10) كيلو فقط مثلها مثل باقي المناطق الحدودية في خط (1- 1- 56)، فيما عدا منطقة (14 ميل) التي جُعلت بكاملها منطقة آمنة لخصوصيتها.
{ وهناك أيضاً مناطق مدعاة شكلت في وقت من الأوقات عقبة أمام تنفيذ الترتيبات الأمنية.. كيف سيكون وضعها في المصفوفة الأمنية؟
– في محور الترتيبات الأمنية أنشأنا المنطقة الأمنية وفقاً لمرجعية خط (1-1-56)، بالإضافة إلى المناطق المختلف حولها، أي أن المناطق المدعاة لا تدخل في تفاصيل ما اتفق عليه، لكن حينما ننظر إلى عملية الانسحاب، فإنهم سينسحبون من كل المناطق بما فيها المناطق المدعاة. غير أن لجنة الحدود لديها ترتيبات أخرى، حيث سيتم ترسيم الحدود أولاً ثم النظر في المناطق المختلف عليها، ثم بعد ذلك يمكن النظر في المناطق المدعاة إن وجدت وفقاً لخط (1-1-56). 
{ الملاحظ في الترتيبات الأمنية أنها اعتمدت خط (1-1-56) لتحديد المنطقة منزوعة السلاح.. هل تم اعتماده كخط صفر فاصل بين الدولتين بصورة دائمة أم سيتجدد الخلاف بين الدولتين لاحقاً حول تحديد خط الصفر؟
خط الصفر وحسب الاتفاق بين الدولتين هو خط 1-1-56 كترتيبات أمنية مؤقتة، لكن هناك استثناء في منطقة 14 ميل إذ سيكون خط الصفر شمالاً يكون البحر وجنوباً منطقة 14 ميل بمعنى أن تكون 14 ميل كلها خط صفر متصلة، لكن الأساس في تحديد المنطقة المنزوعة هو خط 1-1-56، وأنا في اعتقادي أنه خط الصفر الفاصل بين الحدود. صحيح أنها ترتيبات أمنية مؤقتة، لكن بعد معالجة الفصل في المناطق المتنازع عليها ستتم المعالجة أم الآن سيتم الشروع في ترسيم الحدود في جيمع خط 1-1- ماعدا المناطق المتنازع عليها.
{ كلمة (مؤقتة) التي وردت في الاتفاقية، هل تم تحديد أجل زمني يحدد إلى متى ستكون هذه الترتيبات بصورة مؤقتة؟
عندما نقول مؤقتة لأن اتفاقية الحدود ووفق توصية لجنة الحدود فإن كل طرف سيعرض وجهة نظره والأسانيد على الخبراء الأفارقة، سيتم بعدها إنشاء مفوضية للحدود يوم 24 من الشهر الحالي وبعد 21 يوم سيتم إنشاء صندوق التمويل من كل دولة وبعدها يتم تقديم الأوراق للجنة الخبراء، خلال 60 يوماً سيتقدم كل طرف بموقفه. وبالنسبة لترسيم الحدود ستجتمع اللجنة يوم 24 مارس، لكن عملية ترسيم الحدود متوقع تأخذ فترة زمنية وبمجرد الفراغ منه ننتقل إلى الوضع النهائي للحدود، وحتى ذلك الوقت نحن نتعامل مع تلك الترتيبات بأنها مؤقتة.
{ بالنسبة لمنطقة أبيي، هل ستكون هناك ترتيبات خاصة بها؟
تم الاتفاق على أن يتم تشكيل إدارية أبيي، المجلس التشريعي يوم 17، ويوم 10 أبريل سيتم تشكيل خدمة الشرطة التي تشتمل على شرطة الجوازات والهجرة في أبيي يسبقها اجتماع للجنة أبيي نهاية الشهر الحالي لمناقشة المقترحات مع اليونسفا، أما فيما يخص الوضع النهائي لأبيي فتم تركه لرئيسي البلدين.
{ تم الإعلان عن استئناف ضخ النفط خلال أسبوعين وفق مصفوفة التنفيذ ، إلى أي مدى يمكن تحقيق ذلك، لاسيما بعد تطاول فترة توقف ضخه لأشهر عدة؟
ضخ النفط أمر فني بحت وما تم الاتفاق عليه أنه خلال أسبوعين من يوم 10 مارس تقوم كل دولة بإصدار خطابات للشركات العاملة في مجال النفط بالاستعداد لإنشاء آلياتها لتمكن من ضخ النفط، الذي يعتمد على اكتمال الجاهزية الفنية، ووفقاً لما ذكر فإن الدولتين مع الشركات ينبغي التوصل إلى مفهوم مشترك بأن آليات النفط والأنابيب في المنشآت المختلفة قد تم إجراء الاختبارات الفنية لها وفقاً للمعايير العالمية لكي تحمي منشآت البلدين، وتجنب أي أضرار بالبيئة. كما أن هناك نصاً واضحاً يؤكد أن ضخ النفط يعتمد بصورة أساسية على معاير فنية عالمية، وهذا يحتاج إلى وقت كبير . في البداية ستصدر كل دولة  خطابات للشركات لجلب موظفيها وعمل ترتيبات الإقامة لهم . وهناك مرحلة القياسات وضبط العدادات ولا بد من تصفير ومعايرة العدادات لضمان تطابق النفط الخارج من الجنوب مع الكميات الواصلة، تجنباً لأي نزاع لاحقاً. آلية المعايرة للعدادات تحتاج لفنيين من الجانبين، ثم تأتي خطوة اكتمال عملية المراجعة في جميع العدادات، حينها يمكن القول: إن الجميع مستعد لاستئناف ضخ النفط . لكن الدولتين حريصتان على بذل الجهود وتسريع العمل لضخ النفط بأسرع وقت ممكن.
{ اجتماع اليوم للآلية السياسية الأمنية هو الأول بعد التوقيع على المصفوفة  الأمنية ما أبرز ما سيناقشه الاجتماع؟
نتوقع خلال الاجتماع الاستماع إلى تقرير من السكرتارية حول طريقة عملها واحتياجاتها الإدارية لإجازتها من قبل الجهات السياسية. كما سيقدم قائد اليونسفا تقريراً عمّا تم تنفيذه، ثم يقدم تقرير آخر حول خطة عمله لتفعيل وانتشار المراقبين، ومن المفترض أن يكون جمّع قواته من يوم 13 وحتى 17 من أصوصا إلى كادقلي. كما سيتم مناقشة قضية الحدود على هامش اجتماع اللجنة الأمنية سيكون هناك اجتماع للجنة المشتركة للمعابر. وفي الاجتماع أيضاً ستنظر الآلية المشتركة إلى الشكاوى حول دعم وإيواء الحركات السالبة من أي طرف ضد الآخر، ونتوقع إحالة هذه القضايا إلى الآليات المختصة، وإنشاء آليات جديدة لوقف الدعم خارج المنطقة، كما ستناقش قضية فك الارتباط مع الجيش الشعبي قطاع الشمال وتسلم الوثائق الخاصة بهم.
{ سبق أن دعت الوساطة الأفريقية إلى التفاوض مع قطاع الشمال، هل تم التطرق إلى العلاقة مع قطاع الشمال في المصفوفة المتكاملة في إطار لجنة الشكاوى والتحقق؟
التفاوض مع قطاع الشمال خارج إطار العلاقة بين السودان وجنوب السودان، والمصفوفة حددت أطر العلاقة بين الدولتين فقط، لكن ضمنياً ضمن الأعمال المحظورة يأتي ذكر قطاع الشمال، ونحن في الآلية الأمنية نناقش ذلك في إطار هل هناك دعم وإيواء من دولة الجنوب إلى الحركات السالبة، ولا يتم النقاش حوله في إطار التفاوض.

{ هل حققت الحكومة السودانية مكسباً سياسياً برضوخ دولة الجنوب إلى إنفاذ بروتوكول الترتيبات الأمنية أولاً، في الوقت الذي ظلت جوبا تطالب بحسم ملفات أخرى كالملف الاقتصادي؟
اللجنة السياسية الأمنية ومنذ البداية كانت مهمتها تفصيل ما اتفق عليه بوجود حدود آمنة بين الدولتين، وهي تعمل وفق تسلسل منطقيّ، يقود إلى النتائج، والترتيبات الأمنية ليست سوى ضرورة لبناء مناخ ملائم لتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية وغيرها، اتفقنا على أن يكون التنفيذ متسقاً ومتكاملاً، صحيح أن تنفيذ الترتيبات الأمنية أولوية، وأخذت حظها في التنفيذ المبكر، لكن قد نجد هناك اتفاقيات لها توقيتات متقدمة.
{ هل لمستم جدية من الطرف الآخر بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟
في اعتقادي تتوفر الجدية من دولة الجنوب، وإذا لم تكن هناك جدية لما تم الاتفاق على تنفيذ اتفاق التعاون المشترك.
{ هل مارست الوساطة الأفريقية أية ضغوط على الطرفين لحثهم على الاتفاق، كالتلويح برفع الأمر إلى مجلس الأمن مثلاً؟
الوساطة الرفيعة لم تمارس ضغوطاً، لكن في بعض الأحيان تُذكر الطرفين بما سبق الاتفاق عليه، وهي الآن تحرص على تقريب وجهات النظر في جداول التنفيذ، ونحن من جانبنا نشكرهم لصبرهم وجهودهم الجبارة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية