الديوان

آثار "القذافي" في السودان.. عطاء من لا يُحمد له العطاء!!

جسَّد الرئيس “معمر القذافي” حالة خاصة منذ ظهوره على الساحة السياسية في العام 1969م، وحتى تاريخ اغتياله على يد شعبه الثائر في العام 2012م. فالرجل الذي أصبغ على شخصه ألقاباً دفع قيمتها نقداً، تنوعت ما بين الزعيم الأممي، وقائد الثورة، وملك ملوك أفريقيا، وأمين القومية العربية..الخ، ظل يدير علاقاته الخارجية وفقاً لهوى نفسه ومزاجه ونزواته الشخصية، حيث بدا طوال حكمه الذي تجاوز الأربعة عقود راغباً في الشِجار مع كل سكان الكرة الأرضية في شرقها وغربها من أجل تحقيق طموحات وتطلعات وهمية لا يمكن إنزالها على أرض الواقع.
 العصا والجزرة
ولإخضاع من يريد السيطرة عليه أو للتكفير عن ما اغترفته يده، كان “القذافي” في بعض الأحيان يمول مشاريع تنموية وبُنى تحتية في الدولة التي صوب تجاهها سهام غضبه المتناسل على مدى تاريخ حكمه البائد، وبالطبع كان للسودان نصيب من هذه المشاريع المُسماة (خيرية)، كما كان له أيضاً نصيب من قذائفه “القذافي” القاتلة على مدى (30) عاماً، وبالتالي يمكن القول إنه استخدم في علاقته بالسودان ما يعرف بنظرية (العصا والجزرة) بمهارة فائقة.
وجزرة “القذافي” في السودان جاءت بعد عصا ظل يرفعها عقب جفوة حدثت بينه والرئيس الراحل”جعفر نميري” منذ سبعينيات القرن المنصرم وحتى الإطاحة به عام 1984م. وعلى الرغم من أنه لم يبعد العصا كثيراً من وجه السودان كما الحال في دعمه للحركات المتمردة في الجنوب سابقاً والغرب، إلاّ أن أياديه امتدت بالكثير من الأعمال التي ظلت باقية حتى بعد رحيله.
 شاهد على عصرين
وتنوعت مشروعات “القذافي” في السودان بين تشييد الطرق كما في الطريق الرابط بين القرى الواقعة شرق النيل والعاصمة الخرطوم، والذي أطلق عليه حينه اسم طريق (القائد الأممي معمر القذافي)، وثبت هذا الاسم على لافتة وسط الطريق إمعاناً في ترسيخه في عقول الناس وقلوبهم.
وللمفارقة أن الأيادي التي خطت على اللافتة اسم (القائد الأممي معمر القذافي) هي ذاتها التي تهافتت بعد ثورة ((17 فبراير على استبدالها بأخرى جديدة موسومة بـ(طريق ليبيا)، دون أن تكلف نفسها عناء استبدال القديمة التي عليها اسم (القذافي)، وكأنها أرادت لهما أن تصبحا شاهداً على عصرين.
 دكتور “القذافي”.. فلسفة الإدارة من (جامعة الخرطوم)
وليس بعيداً عن تشييد الطرق ورصفها مول “القذافي” إنشاء إحدى قاعات المحاضرات بجامعة الخرطوم التي لم تجد (جميلاً) ترده لـ(الزعيم) حينها، غير أن تمنحه درجة (الدكتوراة) الفخرية في الإدارة، وبذات (طريقة اللافتة) اجتمع أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الذين منحوه الدكتوراة وقاموا بنزعها منه، بعد أن غضب عليه العالم أجمع.
كما قامت (جامعة الخرطوم) بنزع اسم “القذافي” من قاعة المحاضرات وتركت مكانه فارغاً كما ترك الثوار مكانه فارغاً في عموم القارة الأفريقية المريضة، على حد قول أحد طلاب الجامعة ويدعى ” الطيب عبد الكريم” الذي أضاف متحسراً: إن أسلوب الجامعة التي كان بإمكانها أن تداري فعلتها بنزع اللافتة كلها واستبدالها بالاسم الذي تشاءه احتراماً لمصداقيتها وسط الطلاب، لكنها تركتها في مكانها ونزعت الاسم المغضوب عليه.
 اللجان في كل مكان
إذا كانت آثار “القذافي” في السودان طمست من اللافتات فإنها ما زالت باقية على الأرض، فلا أحد يقول الآن (فندق كورنثيا) بل (برج الفاتح) وكذلك القاعات وشارع شرق النيل، ليس ذلك فحسب بل نجد حتى أدواته التي كان يستخدمها لتحقيق أغراضه ما زالت باقية، ولا نعلم من الذي ما زال ينتفع من ورائها، والإشارة هنا موجهة إلى صحيفته (الشمس) ولجانه الثورية التي بقيت بعد زواله قابعة بجوار بنك السودان المركزي بالمقرن ربما لتذكر الناس بحقبة مضت، لكنها بقيت كواحدة من سجلات التاريخ التي لا تطمسها الأيادي ولا تواريها السنوات.
رغم موت “القذافي” الذي لا يسمع له أحد شيئاً غير دوي تلك الطلقة الواحدة التي خرجت من فوهة مسدس وصُوبت تجاه الرأس الأممية، فأسكتت بعض الأنات الخرساء والتوسلات التي لم يصغ إليها أحد وبعض التنهدات المكتومة، وصوته إلى الأبد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية