ترشيح البشير (2)
دعاة التمسك بالبشير رئيساً لدورة قادمة لهم حجتهم وأسانيدهم ومصالحهم وأشواقهم.. يعتبرون الحفاظ على وحدة البلاد رهيناً ببقاء البشير في السلطة، مع أن الجنوب انفصل والبشير رئيساً..
ويقولون: إن فتح الباب أمام خليفة للرئيس في رئاسة الدولة سيفتت وحدة الحزب، ويشتت شمل الجماعة، فيعرض المؤتمر الوطني لانقسام وصراع لمراكز القوى داخله، وإن المؤسسة العسكرية التي قادت التغيير عام 1989 م لن تقبل بأي رئيس للسودان لا يرتدي البزّة العسكرية.. وإن الشعب السوداني هو من يستمد منه الرئيس مشروعيته، وهذا التيار قد يدعم مهمته زعماء الطرق الصوفية ورجال الدين وقادة العشائر والقبائل.. وربما وجد هذا التيار مساندة من دول وحكومات تنظر للبشير بعين الرضا..
ودعاة التجديد والتغيير ربما تمتد نظرتهم للمستقبل عميقاً، وهم أحرص على الرئيس ليتنحى عن السلطة ويذهب لبيته هانئاً.. وأكثر حرصاً على المؤتمر الوطني وسمعته ومصداقيته من الانتحار اليائس، والموت في كراسي السلطة، وإعلان الوطني ترشيح قيادة جديدة يضخ الدماء في شرايين الحزب، ويقضي على زيادة الكوليسترول في جسده ويخفف من أعراض الروماتيزم في المفاصل.. ويفتح الباب واسعاً لتقاعد جيل بأكمله أعطى ولم يستبق شيئاً، مكث في السلطة لربع قرن من الزمان.. حقق إنجازات كبيرة، وأخفق في ملفات، ولكن سنة التغيير ومشيئة التاريخ قالت كلمتها.. وحينما يجد المؤتمر الوطني نفسه أمام خيار التجديد فإن افتراض نشوب نزاعات وصراعات سيبقى احتمالاً ضعيفاً جداً، فالحزب الذي يتنحى قائده لن يذهب للصفوف الخلفية والمقاعد البعيدة، بحثاً عن قائد جديد ومرشح آخر، بعيداً عن النائب الأول لرئيس الحزب، وإن رفض فإن النائب الثاني هو الخيار النهائي، وفي حال المؤتمر الوطني لن يرشّح لخلافة “البشير” إلا “علي عثمان محمد طه” أو الدكتور “نافع علي نافع”.. والمؤسسة العسكرية لن تفرض (فيتو) على المؤسسة السياسية ولا يجرؤ قيادي من الصفوف البعيدة على تقديم نفسه مرشحاً، ويرفع صوته فوق أصوات قادته ورموزه..
وحينما يفتح المؤتمر الوطني الباب واسعاً للتجديد والتغيير، فإنه يصب دواء العافية في الساحة السياسية العامة.. وربما ألهم الله القيادة الجديدة حكمة تنقذ البلاد من التمزق والتشظي في ما تبقى من الوطن.. بعد أن استنفدت المجموعة الحاكمة الآن أغلب ما في جعبتها من أفكار ورؤى وأطروحات.. ولكن تلوح فرصة تجديد ثالث للبشير خارج (سياقات) افتراض رجحان أي من تياري التجديد والتمسك بالقديم والفرصة التي تبدو ضعيفة جداً وتجد مقاومة ورفضاً من القوى المتنفذة في المؤتمر الوطني تتمثل في الإقبال على تسوية سياسية شاملة تنهي دور العنف والحرب في الجنوب الجديد ودارفور من خلال الدخول في مساومات سياسية جديدة لفترة انتقالية جديدة قد تقصر لأربع سنوات أو تطول لسبع سنوات.. تتراضى من خلالها الأطراف التي تحمل السلاح والقوى المعارضة والحاكمة على “البشير” رئيساً للفترة الانتقالية ومشاركة كل الأحزاب في الفترة بأوزان افتراضية وبرلمان انتقالي ينتهي بانتخابات عامة في السودان..
وحينها لن يجد المؤتمر الوطني من سبيل غير التغيير وتقديم مرشح جديد بعد أن يصبح “البشير” رمزاً وطنياً متفقاً عليه من كل القوى السياسية في البلاد.. ولكن هذا الخيار يرفضه دعاة الحرب الذين يبثون في جسد الوطن الكراهية (بالكتابات) التي تمزق ولا توحد، ولأن هذا التيار له مصالح ذاتية في الحرب، منها يستثمرون ويأكلون ويشربون، وهم لمصالحهم (مراعون).. المؤتمر الوطني الذي (يفكر) في بناء برج لداره بشارع المطار، وحلمه بجمع المال، وخوض المؤتمرات القاعدية من الأحياء إلى القمة في أكتوبر القادم، إن لم يملك الشجاعة والجرأة في (اجتراح) القرارات الصعبة، سيصبح حزباً لا يعبر إلا عن مصالح الطبقة الحاكمة من عضويته، ولا يكترث للمستقبل ولا قاعدته التي وهبته أصواتها، وضحّت بأرواحها من أجل فكرة، ولكنها إذا وجدته حارساً ومبرراً ومشرعاً لملك عضوض ستنفض عنه، و(تفرّ) كفرار النعجة الصحيحة من القطيع الأجرب”.