الديوان

حتى ولو لم ينجبن : فاقدات الأمومة يعطينها في الواقع والخيال

منذ بداية الحياة كانت الأم حالة تتويج قصوى للحب، فتبدى ذلك في الأساطير القديمة والأدب الشعبي، حتى قيل عنها إنها كائن يحمل سر الحياة وتجددها، ووصفت بصفات عديدة واكتسبت قيماً عظيمة جراء مكابدتها وصبرها وجلدها رغم أنها تفعل كل ذلك (وهناً على وهن)، وفي المقابل، بعض (البطون) التي حُرمت أرحامها من نواة لطفل يعطي للحياة طعماً مختلفاً، دفعت ببعض النساء إلى تبني ورعاية أطفال آخرين، بينما اقتنعت أخريات بأقدارهن واستسلمن لها، كما أنه ولأسباب قد تكون اجتماعية أو بيولوجية لم تسنح لكثيرات فرصة الاستقرار والزواج، وبالتالي الإنجاب.
 { (من الهوة للقوة)
تقول الحاجة “روضة عثمان” إنها حرمت من الإنجاب ما جعلها دائماً تردد (يا ربي من الهوة للقوة)، وبالفعل كانت قوية بمعدل (حصان) وصبورة بماكينة (سيدنا أيوب)، تحدت الملمات وصروف الزمن بعزيمة جبارة، دلقت فيض محبتها وحنوها الأمومي على كل من هم حولها، فتبنت ابنة شقيقتها المتوفاة حتى زوجتها ثم عكفت على تربية أبنائها من بعد، وإلى جانب ذلك احتضنت أبناء زوجها الأيتام وساعدتهم في طفولتهم إلى أن شبوا وتفرقوا في سبل الحياة المختلفة، فضلاً عن أنها كانت (كثيرة الرماد) كريمة تهبّ بـ(ضراعها) لنجدة كل محتاج من الأهل والأصحاب فترافق ذاك في مرضه، وتساعد تلك عند وضوعها، وظل منزلها عبارة عن (تكية) مفتوحة لكل عابر سبيل.
حصدت الحاجة “روضة” ما زرعته، فعندما تقدم بها العمر تبارى كل هؤلاء على إيوائها، وعندما لزمت سرير المرض التف حولها كل الذين منحتهم من أمومتها المفرطة في الحنو ولم يتركوها إلى أن حملوا نعشها إلى مثواه.
{ (دستة) أطفال وأم حنون 
تأثر نفر كبير من الذين استمعوا إلى قصة تلك السيدة التي عدّها كثير منهم الأكثر تراجيديا وحزناً.. تزوجت في الحادية عشرة من عمرها وأنجبت ستة أطفال قبل أن تنفصل عن زوجها الذي لم يُقدِر سنوات العشرة، فحرمها أمومتها بـ(مصادرة) كل أطفالها، بعد أن تزوج بأخرى أنجبت ستة أيضاً، ولكن شاءت الأقدار أن يتوفى الزوج وزوجته، مخلفين وراءهم (12) طفلاً، فضربت الزوجة الأولى (المطلقة) مثلاً رائعاً في الإنسانية باحتضانها لكل الأطفال، متناسية ما لحق بها من ضرر نفسي ومعنوي، وعكفت على تربيتهم وتعليمهم وأصبحت نموذجاً نادراً قل نظيره.
{ مثالية لا حدود لها
على غير العادة، حكت لي إحداهن عن أن زوجها كان يكرمها قبل أولادها في يوم الاحتفال بعيد الأم، ثم حدث وأن توفي في عام 2005م، وأضافت السيدة، إنه كان قد طلب منها في آخر احتفال أن تعطيه حافظة نقودها فردت عليه بأنها فارغة، فقال لها إنه يعرف ذلك، فأعطتها له، وعندما أعادها بعد ساعات، كانت مزينة ومنتفخة بمبلغ نقدي محترم، وفي يوم الاحتفال جمع زوجها أولاده وجلس بالقرب منها وقبّل رأسها وبكى كثيراً، وقال إنه يعدّها مثل أمه في حنوها ورعايتها له، وطلب منها أن تعفو عنه وأوصى عليها أبناءها، ثم فارق الحياة. 
{ أمهات على الشاشة لكن الواقع (غير)
وفي السياق لا بد من الإشارة إلى أن معظم نجمات السينما العربية اللائي جسدن دور الأم بإتقان حد تفاعل المشاهد معهن بالدموع، لم ينجبن في الحقيقة، فالفنانة “أمينة رزق” ظلت ترفض دور الأم بحجة أنها كانت تريد أن تمثل هذا الدور بعد إنجابها لكن يشاء القدر أن لا تتزوج أبداً فتحرم من نعمة الولد، لكنها في المقابل تعدّ أفضل الممثلات اللائي جسدن دور الأم على الإطلاق، ومثلها تماماً فعلت الفنانة “عزيزة حلمي” التي ظلت تؤدي هذا الدور منذ تخرجها في معهد التمثيل، حيث مثلت دور الأم وهي في العشرين من عمرها دون أن تتمتع بنعمة الإنجاب من زوجها الأول وحتى الثاني المؤلف “على الزيرقاني”.
كذلك الفنانة “زينب صدقي” أشهر من مثل دور الأم بشكل خاص، رحلت في العام 1993م، لم تنجب، لكنها تبنت طفلة يتيمة الأبوين، وكذلك فعلت “فردوس محمد” التي فاضت أمومتها فأغرقت كل من هم حولها في بحر من الحنان، ولا ننسى هنا قصة “تحية كاريوكا” التي لم تنجب لكنها تبنت طفلة وجدتها أمام بابها عمرها يوم، وكذا الفنانة “سامية جمال”، و”شادية” رغم زيجاتها الثلاث من “عماد حمدي و”عزيز فتحي” و”صلاح ذو الفقار”.
أما سندريلا الشاشة العربية “سعاد حسنى” ورغم أنها تزوجت أربع مرات إلاّ أنها أخفقت في الإنجاب، وهذا لم يمنعها من أداء دور الأم بإتقان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية