احفظوا لهذا البلد علماءه
} لا يمكن بناء نهضة حقيقية في السودان إذا كانت الدولة تتبرّع كل يوم في سخاء بالمئات من العلماء وأصحاب الخبرات الطويلة والمميزة في المجالات كافة، من أساتذة الجامعات بمختلف التخصصات، إلى كبار الأطباء والمهندسين والفنيين.
} من سيبني هذه النهضة المأمولة؟! من سيعلم الأجيال القادمة إذا انفصلت عن أصحاب العلم الغزير والخبرات المتراكمة، لتبقى الأكاديميات مجرد (بحوث) للتخرج والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة، تحت إشراف أساتذة ودكاترة مُحدثين، مما يضعف العملية الأكاديمية بصورة عامة، ويؤدي إلى ضعف المخرجات وخواء المتخرجين، وبالتالي ضرب البنية الأساسية للنهضة المنتظرة.
} وإزاء ذلك يبدو غريباً ومزعجاً في آن واحد، أن تسمح الحكومة، عبر سلطاتها في وزارات: الصحة، العمل، تنمية الموارد البشرية والتعليم العالي، بهجرة كبار الاختصاصيين والمهندسين وأساتذة الجامعات، أسوة بالآلاف من أطباء (الامتياز) والعموميين!!
} كيف تنفق الدولة نحو “ثلاثين مليار” جنيه سوداني على تدريب الأطباء في الخارج والداخل، فيحصلون على شهادات التخصص (الدكتوراة) في أقسام الطب المختلفة، ثم تتكرم من بعد ذلك بالموافقة على سفرهم للعمل في دول أخرى، بحجة عدم وجود وظائف في وزارتي الصحة الاتحادية والولائية؟! ولماذا إذن كنتم تبعثون بهم للتدريب في “مصر” و”بريطانيا” وغيرها بملايين الدولارات، إذا كانت بلادنا ليست في حاجة إلى تخصصاتهم؟!
} الآن.. وبعد أن نزفت بلادنا الآلاف من الأطباء وأساتذة الجامعات، يجب أن تتصدى وزارة العمل وتنمية الموارد البشرية لهذه (الفوضى) الضاربة بأطنابها في (قواعد) بنيان هذه الدولة، وذلك بإصدار قرارات توقف هجرة أصحاب الخبرات النادرة والتخصصات غير المتوفرة في جامعاتنا ومستشفياتنا ومؤسساتنا العلمية والخدمية.
} فليهاجر الشباب من الأطباء والمهندسين والأساتذة الذين فشلت الحكومة في ايجاد فرص عمل لهم ويسعون إلى تحقيق أحلامهم، وبناء مستقبل زاهر، كما أنهم سيكتسبون خبرات وعلوم في التعامل مع تقانة متطورة، وبرامج عمل جادة وضاغطة لا تعرف (مجاملات) مجتمعنا، أتراحه وأفراحه، وما يعرفه الجميع من منظومة (التسيب السوداني)!!
} ولكن لا يبدو مريحاً ولا مفيداً (لا) للشخص و(لا) لدولته ومجتمعه، أن (يغترب) طبيب أو أستاذ أو مهندس وقد تجاوز عمره (الخمسين)!!
} لا نقول امنعوا، ولكن احفظوا لهذا البلد علماءه، وكبراءه، فليصبروا ويصطبروا مهما ضاقت حلقات الرزق، فدين هذا الوطن على عواتق الجميع.