في سيرة الشيخ "نور الدائم": فكّاك الشلل وقاهر الجن عصراً والناس حضور
كان الشاب “محمد محيي الدين” يمارس يومه العادي، منخرطاً بدأب في عمله حتى يوفر لقمة عيش (حلال) لعائلته، لكونه الابن الأكبر والوحيد، سيما أن أباه رحل مبكراً، وترك على كتفه مسؤوليات جساماً، ولما أجبرته الظروف التزام القدر اكتفى بالثانوية رغم تأهله الراجح في الطريق إلى الجامعة، فترك سبيلها واتجه إلى مهمته المقدسة، فسكن نفسه في وظيفة قوامها مطاردة المجرمين وصانعي الخمور البلدية، ثم تحول إلى متحصل بسوق (العزازي).
وبينما كان يمارس (شغله) كما اعتاد عليه، وقع فجأة في السوق فاقداً للحركة وكأن نصفه الأسفل مات تماماً، ثم لزم سرير المرض وتفاوض رجال (الفريق) على وجهة العلاج، هل هي (طابت) أم (الخرطوم) أم (المناقل)، كان الشلل مؤكداً والألم واضحاً، والنساء يبكين والشباب يتحسرون عليه، وفي لحظة فارقة قرروا علاجه لدى أجداده الشيوخ، وطلب الشيخ “السماني” من أبيه أن يخرج الجن من “محمد” وينهي حالة كونه مشلولاً مغلول الأسفل، بعد أن أُشيع أن بعض الذين كان يطاردهم (في عمله) كونه متحصل جبايات فعلوا فيه هذه الفعلة النكراء.
واليوم المشهود
تمنع الشيخ “نور الدائم” عن ذلك بعض الوقت ربما لشيء في نفسه، ولكن الابن “السماني” أقنعه، فذهبا إلى منزل المريض وتم الكشف على حالته، ونظر الشيخ ملياً في كل زوايا المكان، ثم أمر بأن يوم غدٍ سيكون يوماً مشهوداً، إنه يوم الزينة، فأغلق التجار دكاكينهم وترك الرعاة (سعيتهم)، ولم يذهب التلاميذ لدرس العصر وتوقفت الزيارات ما بعد ظهيرة ذلك اليوم المهيب، حتى أن مباراة كرة القدم الدورية المهمة ألغيت، وحضر بعض أقارب المريض من مكان بعيد، وأهمل فريق (السيجة) العجيب ذلك السجال اليومي، فلم يحتدم جدلهم الدائم حول من هو المنتصر ومن المهزوم؟ وخُيِّل للناس أنه يوم (الزينة)، وبالفعل اجتمعت في حوش “ناس محمد” كل الأجيال المتوالية والمتعاقبة، وشكلوا أمام غرفة (المريض) حلقة صامتة وواسعة، وساد سكون مهيب في انتظار لحظة مخاطبة الجني الذي عطل حركة الشاب “محمد محيي الدين” فأمات نصف جسده الأسفل، وأعطبه عطباً بيناً، بينما ظل أعلاه حياً يرزق وينظر بعينين بحيرة لنساء يبكين ورجال قلقين وأطفال، توقفوا عن اللعب فجأة وصاروا جزءاً من الألم، وزاد التعاطف بين أهل الحيّ الواحد الوحدة والتماسك حتى يشفى محمد على يد هذا الشيخ الورع، وكان الشيخ “نور الدائم” يجلس بخبرة من يعرف أساليب الجن متحفّزاً لأي طارئ وبدأ التلاوة والأوراد والهمهمات وصنوف النظر والتجرد.
خروج الجن (فجّ ومرق)!!
وتعرقت وجوه الحضور في انتظار معجزة ستحصل بعد قليل وإن أبي أؤلئك، وبدأ محمداً يتحرك ويصرخ وعدل الشيخ نور الدائم من جلسته وهو يخاطب الجن (أخرج) فيجيبه الجن: لا لن أخرج، وبعد دورة كاملة من الحوار والمحاولة، وحرق بخور الآية الكريمة، وافق الجن على الخروج وطلب فتح طريق من بين زحام الحضور، وأمام نظر الجميع خرج بخار أسود من تحت وارتفع في الهواء ونهض “محمد” سليماً معافىً بإذن الله وأطلقت الزغاريد، ووزع الكركدي والشربات، وذبحت الذبائح وعم الفرح حارتنا.
وختاماً الفاتحة
نقول هذه الذكريات لأن الشيخ “نور الدائم” قد رحل عن هذه الفانية، وهاهو ابنه الشيخ “السماني” يمر على المرضى ليلاً فيشفون بإذن الله وبركات أبيه، وهو الآن يعد لبناء (مجمع البكري) في مساحة ألفي متر مربع، وقد أخذت كل الترتيبات مكانها كي يرى هذا المجمع النور في القريب العاجل، مجمع سيدرس فيه القرآن، والفقه والتفسير، والسيرة العطرة للرسول الكريم وصحابته، و الصالحين من عباده، ويقتات ويشفى ويتعلم من بين ظهرانيه كثيرون وكثيرات، فارفعوا معنا الأكفّ واقرأوا الفاتحة، وقولوا (آمين)!!