الاعمدةشهادتي لله

إلى الحزب الشيوعي السوداني .. مرةً ثانية

طالبتُ في مقالي الأول ، قيادة الحزب الشيوعي السوداني بالتقاط قفاز المبادرة لإصلاح الفترة الانتقالية ، بإصلاح حكومتها ، وهي المسؤولة عن تنفيذ أهداف و مطلوبات الانتقال بفاعلية و جدية و سرعة .
يمثل الحزب الشيوعي قاطرة أحزاب قوى الحرية و التغيير ، فهو صاحب الصوت الأعلى و الأكثر تأثيراً بين مكونات التحالف الحاكم ، و هو الأكثر فاعلية و ديناميكية داخل عضوية التجمعات و الروابط المهنية التي تشكل تجمع المهنيين السودانيين .. الواجهة التي كانت تمثل قلم الثورة و صوتها ، منظم مواكبها و المتحدث باسمها و الممثل الشرعي لثوارها و (كنداكاتها) .
و ليس أدلّ على ما ذكرتُ آنفاً من سطوة و تأثير الحزب الشيوعي ، من خروج سكرتارية المهنيين السابقة التي يمثل أعضاؤها عدداً من الأحزاب و التجمعات السياسية، محتجةً على ما أعتبرته اختطاف الحزب الشيوعي للتجمع عبر انتخاباته الأخيرة !!
كانوا يغطون في نوم عميق ، حتى إذا ما انتبهوا ، وجدوا الشيوعيين قد استلموا مفاتيح البيت و نقلوا ملكيته، و بدلوا شهادة البحث ، و (كله بالقانون) !! فلم يعد أمامهم غير عقد مؤتمر صحفي يستنكرون فيه و يشجبون ، دون أن يتجرأوا على ذكر اسم (الحزب الشيوعي السوداني) في عريضة اتهامهم و بلاغهم المفتوح ضد مجهول !!
لكن الحزب الشيوعي ليس في مقدوره أن يفعل المزيد لتغيير التركيبة السياسية الضعيفة في هياكل قوى الحرية و التغيير ، و لن يستطيع أن يبدِّل “حمدوك” بشيوعي آخر ، أكثر قدرة على الفعل و الإنجاز و تحقيق شعارات الثورة في السياسة و الاقتصاد و العدالة ، ما لم يطمئن إلى إمكانية إجراء هذه الجراحة الكبيرة ، في غرفة عمليات كاملة التعقيم ، و على يد جراح ماهر هادئ البال .
غير أن توفر التعقيم الكامل من الملوثات و الفيروسات ، لا يتأتى إلاّ بمشاركة و معاونة كافة أفراد الطاقم الطبي في المستشفى من أطباء و ممرضين و سسترات و محضري عمليات و اختصاصيي تخدير و عمال نظافة .
لن يستطيع الحزب الشيوعي و حلفاؤه المخلصون مثل حزب البعث العربي الاشتراكي ، أن يمضوا بعيداً في السيطرة على الفترة الانتقالية المُتَجاذَبة بين مكوناتها المتنافرة ، إلاّ بالاطمئنان إلى تعقيم العملية السياسية ، وحقنها بلقاح مضاد للاضطرابات و الالتهابات .. المُفضِية للانقلابات العسكرية .
كما أن فيروس (التدخلات الأجنبية) عبر السفارات و البعثات الأممية ، الذي ضرب الدول من حولنا .. من ليبيا غرباً إلى سورياً شرقاً .. و اليمن جنوباً ، في طريقه إلى السودان ، و هو فيروس مُهدد لسلامة و صحة الفترة الانتقالية بأجنداتها الوطنية .
وعندما تستلم البعثة الأممية الانتقالية الشاملة (UNITAMS) مهامها في السودان في يناير المقبل ، فإن الحزب الشيوعي السوداني المناهض فكرياً لمشروع الإمبريالية الغربية و الليبرالية الاقتصادية الجديدة ، سيجد نفسه تلقائياً ، مع بقية أحزاب (اليسار) ، خارج غرفة صناعة القرار السياسي في البلاد .
لن تمثل (قحت) الحاضنة السياسية لحكومة “حمدوك” ، بعد تولي البعثة الأممية مهامها و مسؤولياتها المتشعبة في كافة ملفات الحكم في السودان .
رئيس البعثة الأممية هو المطلوب منه رفع تقارير لمجلس الأمن الدولي عبر الأمين العام للأمم المتحدة، عن التطورات السياسية في السودان ، كل ثلاثة أشهر ، حسب نص القرار (2524) ، و ليس رئيس وزراء السودان !!
و إزاء هذ المشهد المرتبك ، ليس أمام الحزب الشيوعي السوداني من خيار أفضل لضمان استقرار فترة انتقالية ذات قرار وطني ، غير القبول بمشروع (مساومة تاريخية) ، كالذي أشار إليه الدكتور “الشفيع خضر” ، دون أن يفصِّل فيه ، قبل أن يتنكر له لاحقاً ، تحت ضغط حملات (التتار الجديد) !!
تفاصيل هذه المساومة بين اليمين و اليسار السوداني ، من وجهة نظري ، كالآتي :

– تسليم اليمين (الحركة الإسلامية و غيرها) بأحقية اليسار في حكم الفترة الانتقالية ، سواء بكوادر سياسية معروفة ، أو كفاءات وطنية قادرة ، بمافي ذلك منصب رئيس الوزراء و أعضاء مجلس السيادة .
– ثورة ديسمبر قام بها الشعب السوداني بكافة مِلله ونِحله و في كل ولاياته ، ضد الظلم و الفساد و سوء إدارة موارد الدولة ، و كان شعار الثورة (حرية – سلام و عدالة) ، و بالتالي لابد من الالتزام بشعار الثورة ، و تحقيق العدالة بمحاكمة المتهمين بالفساد في محاكم طبيعية تتبع للسلطة القضائية ، دون تدخل سياسي من السلطة الحاكمة ، فإن أدانت المحاكم متهماً ، كان لها ، و إن برأته فإنه القانون و سلطة القضاء الحر و النزيه .
– يلتزم اليمين المعارض بعدم التآمر على الفترة الانتقالية و الامتناع عن التحريض و تعويق أعمال و مشروعات الحكومة الانتقالية (بشكلها الجديد) ، إلا في حدود النصح و إبداء الرأي .
– توقف حملات الكراهية و التعبئة السلبية من كافة الأطراف السياسية في السودان .
– تقوم القوات المسلحة ، بعد نهاية دورة رئاسة المكون العسكري، بمسؤولياتها في حماية التراب الوطني و تأمين البلاد من التدخلات الخارجية ، و حراسة الفترة الانتقالية ، و الفترات الديمقراطية القادمة، دون تدخل مباشر في الحكم ، و يترشح مَنْ رغب مِن قادتها (المتقاعدون) لرئاسة الجمهورية أو أي منصب دستوري ، كمواطن سوداني دون استناد إلى قاعدة الجيش الوطني .
– الاتفاق على عدم تسييس الخدمة المدنية ، بمافي ذلك مناصب السفراء و الدبلوماسيين و ضباط القوات المسلحة و الشرطة و القوات النظامية الأخرى .
– تقوم انتخابات حرة و نزيهة بعد اكتمال أجل الفترة الانتقالية المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية ، تشارك فيها الحركات المسلحة بعد تحولها إلى أحزاب و كيانات سياسية ، ليكون صندوق الانتخابات هو الضامن الأساسي لتحقيق السلام الدائم و الشامل في السودان ، عِوضاً عن اتفاقيات سلام جزئية و محدودة ، تقوم على محاصصات سياسية و جهوية .

ختاماً .. إن واجبنا الوطني تجاه بلادنا العزيزة يفرض علينا السعي الجاد و الحثيث لابتدار الحلول الوطنية الخالصة ، لتأمين ترابنا و حماية وحدة شعبنا ، و تحقيق تطلعاته في الحرية و السلام و العدالة و الرفاهية .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية