أما آن للجنون الإثيوبي أن يتوقف ؟؟!!
فنجان الصباح
أحمد عبدالوهاب
في مديرية الساحل في صيف عام ١٩٨٩م، كنت أغطي أحداث انتصارات الثورة الإريترية لصالح جريدتي “الأضواء” و”ألوان” رفقة الزميل الراحل عبد الواحد كمبال.. توقف بنا السائق الماهر (دانيل) في منعطف جبلي ينسل منه طريق ضيق و شديد الانحدار والوعورة.. في هذا الوادي كمن ثوار جبهة أفورقي لرتل مؤلل يقوم بعملية انسحاب فوضوية فيه ما لا يقل عن ٦٠ إلى ٧٠ آلية عسكرية ما بين الدبابات الروسية تي ٦٣ وحاملات الجنود والمجنزرات، وأمطروه بوابل من الصواريخ والقنابل.. لقد تأكدوا أن الرتل قد توغل في الطريق.. وأن أول آلية عسكرية قد أعطبت. ووجدت القافلة نفسها داخل الفك المفترس.. محشورة وسط واد من اللهب والحميم ومطر الرصاص.. ولما استغاث قائد الرتل بسلاح الطيران، كانت تعليمات القيادة لسرب السوخوي ٢٩ واضحة.. دمروا الرتل كاملا، لا تتركوا فيه شيئا ذي بال.. وكان المشهد مروعا.. وبتجاوزنا للوادي كنا وجها لوجه مع معسكرات الأسرى الإثيوبيين.. آلاف من الوجوه الشاحبة والعيون الذابلة والأجساد الناحلة، دفعت بهم أديس إلى أتون حربها الظالمة، فلم تحصد سوى الهزائم المنكرة، برغم الدعم السوفيتي العسكري السخي.. كانوا يستحمون في العراء على طرف مجري مائي ينبع من شبكة مجهولة من الينابيع.. يطفو فيها فلول جيش مهزوم وينبوع دم معلوم..
ولم أجد لتلك الصور المأساوية في (افعبت) و(نقفة) ومديرية الساحل وما رأيته بالأمس من هزيمة لمليشيات (الشفتة) على يد الجيش السوداني، من وصف لحالة الجنون السياسية في إثيوبيا.. وحالة الهوان العسكري لجيشها ومليشياته.. أصدق من حديث الأستاذ (الان مورهيد) حينما علق على فلول الجيش الطلياني إثر هزائمه المنكرة في محور طبرق الليبية في الحرب العالمية ٢ بقوله: (يبدو أنهم جنود شجعان.. ولكن لا يمكنك إرغام الأطفال على الاستحمام بالماء البارد).