فتح المطار.. الخطأ القاتل
بعد أن كان سهلاً ومتاحاً للحكومة ووزارة الصحة الاتحادية الحجرُ على ركاب الطائرات التي هبطت مطار الخرطوم فجر يوم (20) مارس ولمدة (48) ساعة، جاءت اليوم بعد أكثر من ثلاثة أسابيع، تستجدي أولئك الركاب الذين دخلوا البلد وخالطوا مئاتِ المواطنين، أن يتصلوا بوزارة الصحة لتقوم بإخضاعهم لفحص (كورونا) !!
كنا في (المجهر) – رغم أننا لسنا أهل اختصاص – نعرف خطر المجازفة بفتح المطار دون وضع الترتيبات اللازمة، وكتبتُ هنا قبل الإجراء بيوم، مُحذِّراً من عدم حجر القادمين عبر المطار في مهلة اليومين، ورغم أننا صحفيون ولسنا أطباء، ولا مختصين في علم الفيروسات، إلَّا أن تقديرنا للخطر كان عالياً، فابتعثنا ليل (الخميس) الموافق (19) مارس محرراً نشطاً، وزودناه بالمؤونة والكمامات، وأوصيناه بالحرص والحذر والابتعاد عن المسافرين لمسافة (متر)، ووجهناه بالمبيت في باحة المطار لمقابلة المسافرين واستطلاعهم، ومعرفة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة تجاههم.
في مساء (الجمعة) سألتُ محررنا الهمام: ماذا فعل الله بك في تلك الليلة، وإلى أين أخذت وزارة الصحة القادمين عبر طائرات الفجر؟
صدمتني إجابته.. إذ إن الوزارة ومن فوقها لجنة الطوارئ (السيادية) قد اكتفت بتمرير جهاز كشف الحرارة على القادمين، ثم قالت لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)!!
شعرتُ بغُصَّة وحسرة على حال البلد التي يقودها رجال عديمو الخبرة، لا تجربة لهم ولا قدرة على إدارة أي أزمة، غضَّ النظر عن توجهاتهم السياسية والفكرية، فانتماءاتهم تخصهم، ولكن ما يخصنا نحن كمراقبين ومواطنين أن يتولى أمر دولتنا رجالٌ ونساءٌ بقدر المسؤولية ومستوى التحدي الكبير لدولةٍ مثقلةٍ بالأزمات، مثخنةٍ بالجراح.
الآن.. يتكبد الشعبُ خسائرَ مادية وبشرية عظيمة جراء ذلك الخطأ القاتل، وقد تسبب فيه سياسيون وتنفيذيون عاطفيون دون تدبُّر، عندما تزعموا طلب فتح مطار الخرطوم والمعابر الحدودية لإدخال العالقين، ثم كانت الفاجعة في سماح لجنة الطوارئ الصحية ــ (لاحظ أنها لجنة برئاسة عضوين في مجلس السيادة وتضم عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة) ــ بدخول المئات من المسافرين إلى البلاد دون إخضاعهم للحجر والفحص المعملي لفيروس (كورونا المُستجِد)!!
بالله عليكم.. مَن هو المُستجِد في هذه الحالة؟ رئيس وأعضاء لجنة الطوارئ ووزير الصحة؟ أم الفيروس المسكين الذي لولا بيئة السودان القاسية والحارة لفتك بالآلاف من أبناء شعبنا؟!
حسبنا الله ونعم الوكيل.