آخر سنوات “البشير” (14)
عندما أصدرنا العدد الأول من صحيفة (المجهر السياسي) في نسختها اليومية في 16/4/2012م، كان الـ(مين شيت) مأخوذاً من حوار خاص أجريته مع الدكتور “الترابي” حول موضوع خلافة الرئيس “البشير” ، وكانت صيغته كالآتي :(الترابي يجيب : مَنْ هو خليفة الرئيس “البشير” ؟) . وقد سألتُ زعيم الإسلاميين وأستاذهم في كل الحوار عن قيادات الصف الأول في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني ، واحداً واحداً ، ليقرأ لنا شخصياتهم ويحاول أن يجد من بينهم (خليفة) لرئيس الجمهورية “عمر البشير”، الذي أعلن أكثر من مرة في حوارات تلفزيونية وصحفية سابقة أنه لن يترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية في العام 2015م .
ربما لغضبه عليهم ، كانت خلاصة حواري المنشور بهذه الصحيفة مع الشيخ “الترابي” .. أنه لا أحد من قيادات المؤتمر الوطني أفضل من “البشير” في القدرات والإمكانيات القيادية ! سخر من معظمهم .. وشهد لكل من “غازي صلاح الدين” و”أمين حسن عمر” بالقدرات الفكرية وقال بالنص :(“أمين” أميزهم) .
لكننا لم نقنع من المساعدة في البحث عن بديل “للبشير”، فمضينا في نشر سلسلة الحلقات تحت عنوان :(من هو خليفة “البشير” ؟) ، أفردنا فيها صفحات لشخصيات سياسية وعسكرية يمكنها أن تملأ المقعد الذي يُفترض أن يشغر في العام 2015م ، وكان من ضمن عناوين الأعداد اللاحقة (هل يصبح اللواء كمال عبدالمعروف رئيساً للجمهورية؟). وكاد الفريق “عبدالمعروف” القائد العسكري عالي التأهيل أن يصبح رئيساً بعد سبع سنوات، في (11) أبريل 2019م ، لكنه جارى الفريق أول “عوض ابن عوف” وغادر معه في هوجة ما بعد الإطاحة بالنظام ، وحدث ما حدث !!
لم نتعرض لأي مضايقة أمنية أو سياسية ، ولم يصادر جهاز الأمن أي عدد تناول قضية ترشيح رئيس جديد للجمهورية ، بينما صادر أعداداً كثيرة ناقشت قضايا أخرى يعتبرها الجهاز (خطوطاً حمراء) ، وأوقفت (المجهر) عن الصدور لأجل غير مسمى (5) مرات في العامين 2013 و 2014م ، بسبب مؤامرات صغيرة وكيد من قيادات عليا في الدولة وليس بسبب خرقها خطوط الأمن القومي الحمراء، وامتدت فترات الإيقاف من أسبوع إلى شهر .
أوقفوها مرةً بدعوى أنني هاجمتُ الفريق أول “بكري حسن صالح” بعد تعيينه نائباً أول للرئيس بأيام ، وأبلغوا “البشير” في تقرير قبيح ، معلوماته مطبوخة طبخة نيئة، أنني أعمل ضد تعيين الفريق “بكري” لصالح “علي عثمان”!! ولم يكن متاحاً للأمن إيقاف صحيفة عن الصدور إلاّ بعلم وموافقة الرئيس ، ولكن بمقدوره مصادرة عدد واحد ثم إبلاغ قيادة الدولة بأسباب المصادرة فيما بعد .
عرفتُ مصدر المؤامرة ، فقد كتبتُ قبل قرار تعليق الصدور عن ضرورة إقالة مديري مكاتب الرئيس ، ونائبه الأول “علي عثمان” ومساعده “نافع” ، تبعاً للتغييرات التي طالت قيادة الدولة بمغادرة “علي” و”نافع” . في تلك الفترة بدأ نفوذ مدير مكتب الرئيس “طه عثمان أحمد الحسين” يتصاعد ، وكان تأثيره على مدير جهاز الأمن الفريق أول “محمد عطا المولى عباس” كبيراً ، خاصةً أن “طه” كان السبب الأساسي في الإطاحة بالمدير السابق الفريق أول “صلاح قوش” عام 2009م وتعيين نائبه “عطا” مكانه .
لجأتُ إلى شقيق الرئيس الرجل المهذب المحترم المهندس “علي حسن” ، تربطني به معرفة سابقة ، إذ سافرنا معاً ضمن وفد إعلامي إلى “دمشق” لحضور تدشين مسلسل “قمر بني هاشم” عندما كان “علي” رئيساً لمجلس إدارة قناة (ساهور) التي أنتجت هذا المسلسل عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولـ”علي” اهتمامات صوفية ومحبة خالصة لخاتم النبيين والمرسلين.
كان اليوم (جمعة) ، حوالي الحادية عشرة صباحاً ، توجهتُ ومعي الزميل “يوسف عبدالمنان” صوب منزل شقيق الرئيس بحي “كافوري” ، زرته قبلها مرة واحدة قبل سنوات، ونادراً ما أزور المسؤولين وقيادات الدولة في منازلهم ومكاتبهم إلاّ عند (الشديد القوي) ، وكنتُ يومها أواجه ظلم (لوبي نافذ وخطير) فقررت مواجهته بنفس السلاح .. سلاح الرئيس .
طرقنا على الباب الداخلي ، بعد أن (دفرنا) الباب الخارجي .. أي والله (دفرناه) .. فانفتح، بعد أن اعتذر شرطي الحراسة عن مساعدتنا ، ويبدو أنه رأى صورنا في الصحف والشاشات وعرفنا ، فتركنا نتصرف وفق ما نرى، لكنه مأمور بعدم العبور إلى الداخل والقيام بدور سكرتارية . أطلت إحدى بنات “علي البشير” ، وقالت :(بابا نايم) .. قلتُ ليها 🙁 صحي .. وقولي له : الهندي عزالدين في الباب) . قالت لنا : (تفضلوا .. دقائق بس) .. دخلنا الصالون .. وخلال دقائق جاءنا صاحب الدار .. هاشاً باشاً وأخذنا بالأحضان .
رغم كل اللغط الذي يثار عن أشقاء الرئيس السابق، إلاّ أنهم يتميزون كشقيقهم “عمر البشير” بتواضع نادر ،وأريحية وطيبة تشبه طيبة عامة السودانيين قبل أن تصدمنا مؤخراً موجة الكراهية السياسية، وأمراض النفس التي استشرت في مجتمعنا انتشار السرطان في الجسد .
استقبلنا الرجل بحرارة وكرم رغم أنه لم يقابلنا لسنوات ، ولم تكن بيننا تلفونات ولا مراسلات ، وكان بإمكانه ألا يفعل وألا يغادر سريره ، كما فعل ويفعل آخرون كُثر ليسوا من أخوان الرئيس ولا من أصحاب الحظوة والقرب من الدائرة العليا.
طرحتُ على المهندس “علي” مظلمتي وطلبتُ منه نقلها إلى الرئيس ، ثم زودته بنسخة من العدد المُصادر الذي قيل في التقرير (المفبرك) انني هاجمتُ فيه الفريق “بكري” . وفي اليوم التالي أرسلتُ نسخةً من ذات العدد إلى الفريق “بكري” عبر سكرتيره الخاص “أبوالقاسم” ، فاتصل الجنرال الفارع برئاسة الجهاز قائلاً 🙁 لو وقفتوا الجريدة دي عشاني .. فكوها) !!
دخلت نسخة من عدد (المجهر) إلى غرفة الرئيس بعد صلاة فجر اليوم التالي ، بعد أن أبلغه شقيقه بما جرى ، فقال له الرئيس 🙁 الجماعة كاتبين عنو تقرير سيء) !!
نادى الرئيس على مدير مكتبه الفريق “طه عثمان” وقال له :(كلم محمد عطا .. يرجعوا الجريدة دي بكرة) .
نواصل غداً .