المطلقات.. نظرة اجتماعية قاسية وخيارات مريرة!!
(أبغض الحلال عند الله الطلاق)، عبارة يطلقها كثيرون دون تدبر وتأمل، ولو تدبروها لعرفوا أن (الحلال البغيض) أقرب إلى الحرام فتجنبوه وأدبروا عنه، حيث كثيراً ما يتحول الطلاق خاصة في السودان إلى نقمة تحيق بالمطلقة، حيث تُجابه بنظرة شفقة وسخرية ولوم ممن هم حولها ابتداءً من أسرتها الصغيرة وليس انتهاءً بالمجتمع ككل.
فلماذا هذه النظرة؟ هل لأنهم يعتبرون المطلقة مذنبة؟ ولماذا يكون من حق الرجل (المطلق) أن يمارس حياته بشكل طبيعي، بينما لا يكون هذا من حق المرأة؟ لماذا من حقه الزواج بأخرى بمنتهى السهولة، بينما ينفر معظم الرجال من الارتباط بامرأة مطلقة؟ دعونا نبحث خلف هذه الأسباب؟
خيارات أحلاهما مُر!!
تقول السيدة “خلود” – مطلقة – بأي ذنب يعاملني المجتمع بهذا الشكل؟ هل أعيش مع رجل لا يتقي الله أم أعيش في وسط مجتمع أكثر لا يتقى الله؟. أما السيدة “هند” فقالت: عندما انفصلت عن زوجي واجهتني الأسرة بكل صرامة، وضيقت عليّ حياتي، فقررت أن أعود إليه وأعيش معه وأتحمله رغم أنفي، وأضافت: هكذا تتحمل نساء كثيرات مرارة العيش مع أزواج لا يطيقونهن، لأن الخيار الآخر (الطلاق) يجعلني أعيش بين الناس وكأني ذليلة ومنكسرة، واستطردت “هند”: بهذه الأفكار يحطم مجتمعنا المرأة، يتسبب لها في أزمات نفسية يصعب علاجها، خاصة وأنه يحرم عليها
أمر أباحه الله لها وهو (الطلاق).
مجابهة التجارب الفاشلة
وفي ذات السياق تقول الأستاذة “هاجر” – معلمة – شرع الله الطلاق وإن أبغضه، رحمة بالناس ورحمة بالزوج أو الزوجة من الاستمرار في العيش مع طرف تستحيل عشرته، لكن المجتمع يعامل المرأة وكأن الطلاق شيء ضد الشرع وضد القيم الإنسانية، فمتى يستقيم حال مجتمعنا تجاه مخلوق رقيق اسمه امرأة؟
أما “نهاد” (مطلقة) فحكت عن تجربتها في الطلاق بشيء من الفخر والاعتداد بالنفس، حيث قالت لـ(المجهر): تجربتي في الزواج كانت فاشلة، لذا تطلقت، لكن حياتي استمرت فواصلت تعليمي، وإذا وجدت الشخص المناسب فسوف أتزوج منه دون تردد، لأنني مؤمنة بنفسي وبأقدار الحياة.
معظم النار من مستصغر الشرر
من جهتها طلبت (المجهر) إفادة عن أسباب الطلاق من الباحث الاجتماعي الأستاذ “علاء الدين الحاج” فقال: للطلاق أسباب كثيرة، تبدأ شرارة صغيرة ورويداً رويداً تصبح كرة نار ملتهبة تحرق كل شيء حولها، ومن أهم هذه الأسباب عدم اهتمام الزوجة بواجباتها وتنصلها عن تحمل مسؤوليتها كاملة تجاه زوجها وأطفالها، عدم التوافق وانعدام التفاهم بين الزوجين، انحسار إحساس الزوجة بالأمان والراحة مع زوجها، قلة احترامهما لبعضهما، عدم اهتمام الزوج وتنصله من مسؤوليات الزواج، كالمصاريف، وغيابه الدائم عن البيت، والشك في زوجته، وأسباب كثيرة أخرى لا مجال لذكرها كلها. واستطرد الأستاذ “علاء الدين” قائلاً: لكن السؤال المهم هو ما هي خلفية هذه الأسباب؟ بالطبع كثيرة، لكن دعيني ألخصها فيما يلي: أولها هو إجبار البنت على الزواج من شخص لا تريده، ضعف الدين، سوء الخلق، كثرة الكلام والجدال، رفع الصوت، إشراك الآخرين من أهل وأصدقاء وإتاحة الفرصة لهم للتدخل في النزاعات التي تنشأ بين الزوجين، كثرة طلبات الزوجة وإلحاحها عليها، عدم الصبر وإفشاء الأسرار، هذا غيض من فيض.
تمييز اجتماعي ضد المرأة
إلى ذلك عزت الباحثة الاجتماعية الأستاذة “ثريا إبراهيم” كل هذه المشكلات إلى ما أسمتها بنظرة المجتمع للمطلقات والتي تتسم بالتقليدية، وأضافت: تلك النظرة تنطوي إلى حد كبير على تمييز ضد المرأة، بينما تعطي الرجل المطلق فرصة وحرية كاملة في الزواج مرة واثنتان وثلاث، وتظل المرأة المطلقة محاصرة اجتماعياً بسياج متين، واستطردت: رغم أن في الطلاق أحياناً حلاً للمشكلة وهو بالمناسبة خيار جيد في أحايين كثيرة، لكن المجتمع لا يرحم المرأة في ذلك. ومضت موضحة: من أهم أسباب عدم تقبل الأهل للمطلقة هو الوضع الاقتصادي خاصة إذا كانت لا تعمل ولديها أطفال، وإلى إن تحكم لها المحكمة بالنفقة ستكون عبئاً على أهلها، أما إذا كانت تعمل فإن الأمر سيختلف قليلاً، كما أن هنالك جانباً مهماً ينبغي أخذه في الاعتبار وهو التشكيك الدائم في سلوك المطلقة، كما أنها تكون دائماً عرضة للاستغلال والابتزاز في العمل أكثر من غيرها من المتوجات وغير المتزوجات، لذلك تبدو المطلقة دائماً عصبية وحساسة ومكتئبة، وعلى المجتمع بدلاً من استغلالها على هذا النحو، أن يمد لها يد العون المعنوي قبل المادي حتى تمارس حياتها بصورة طبيعية، كما عليها أن تمنح نفسها فرصة أخرى للاقتران بالشخص المناسب.