نقش الحناء في بيت العزاء.. زغاريد في غرف الأحزان
سمعت بأن قريبها المريض طريح الفراش منذ أسبوع بإحدى المستشفيات أسرعت إلى جاراتها في الحي تسألهم عن أميز حنانة وأخبرتهم بأنها تستعد وتهيء نفسها إلى يوم (العزاء) وصفت وفاته بأنها قريبة ولاسيما بأنه مريض منذ فترة ليست بالقصيرة.
الأمر الذي جعل جاراتها يتعجبون منها سائلين لماذا كل هذا الفرح؟ ردت بابتسامة ماكرة لأن زوجته تعايرنا بـ(حنتها) وذهبها في كل الأفراح والأكراه وتشتري أفخم الثياب من أجل مناسبات العزاء الخاصة بالأهل.
الخرطوم: رباب الأمين
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تزين المرأة في المأتم مثل تزينها لمناسبات الأفراح المختلفة حيث ترتدي ثياباً جديدة تتنافس عليها نساء الحي أو الأهل وعدم مراعاة الذوق العام، حيث يصبح منزل المأتم عبارة عن مقهى نسائي يتزين فيه وأصوات الضحكات تغلب على طابع الحزن، فيصبح بيت العزاء مكاناً لتبادل النميمة وعرض أزياء لا يتوقف، مما يتسبب في أذى نفسي لأسرة المتوفى.
ونسبه لانتشار هذه الظاهرة استطلعت (المجهر)عدداً من نون النسوة للتعرف على الدوافع التي تجبر تزين المرأة في بيوت العزاء!
عندما تنعدم الأحاسيس:
“نعمة الشعراوي” قالت لـ(المجهر) إن هذه الظاهرة منتهى الجهل والتخلف وتدل على انعدام الإنسانية بين الأشخاص وعدم الإحساس بالحزن وفقد المرحوم.
أما “صفاء آدم” وصفتها بعدم احترام لأهل المتوفى مع عدم الإحساس بالحزن وفقد الوازع الديني وأرجحت بقولها (هذا سبب في عدم تطورنا).
“آلاء أحمد” خريجة أشارت في حديثها لـ(المجهر) بأن هذا السلوك يرجع لعدم الشخصية فبعض النساء يعيشون حياتهم على أسس الميك أب والثياب الفاخرة ويذهبون كل الأماكن من أجل المجاملات الاجتماعية ويتزينون دون مراعاة لأصحاب الحزن.
العزاء أكثر التجمعات النسائية
في ذات السياق ذهبت “سلوان محمد” أن الدوافع الرئيسة هي أن العزاء أكبر التجمعات التي تحظى بنسبة زيارات نسائية مقارنة مع المناسبات والأفراح في ظل انشغال المجتمع بالأوضاع الاقتصادية. أصبحت التجمعات ذات سمة خاصة لدى البعض فيلبسون ويتزينون لأنهم سوف يلتقون بمن غابوا عنهم طيلة الفترات السابقة وهذا اللقاء لا يحدث إلا في العزاء.
(لا يوجد حرج) بهذه الجملة أكدت “وفاء محمد” أن اللبس الأنيق في الظهور بمظهر حسن واجب على كل أنثى واعتبرت أن لبسها وتزينها أمر لا يستحق الوقوف عليه.
بينما وافقتها الرأي “فاطمة الفاضل” قائلة: على المرأة أن تتزين وتلبس ما تشاء من الثياب مع مراعاة عدم الإكثار من العطور والميك أب.
البموت بيفقد روحو
جملة أطلقتها بعض النساء عندما حاولنا استطلاعهن حيث جاء من ردهن بأن الميت إذا توفي فإنه يفقد الحياة وليس يفقد الآخرين.
“آلاء أحمد” خريجة بدأت تسرد قصتها مع أقاربها قائلة (أبدا من وين؟ أهل الميت هم ذاتهم بيكونوا متزينين) وأضافت بأنها ذهبت إلى وفاة قريبها، حيث وجدت بنات المتوفى مرتدين ثياباً جديدة كأنهن ينتظرون بدء (حفلة الغناء) ينظرون إلى المارة لا يهمهن فقد أبيهن.
التغيير السيكولوجي
أردنا أن نعرف أكثر عن انتشار ظاهرة تزين المرأة في المأتم من نواحي نفسية واجتماعية وماهي التغييرات التي طرأت على المجتمع السوداني.
وذكر الاختصاصي بعلم النفس الدكتور “نصر الدين الدومة” لابد من الإشارة أولا إلى مسألة التغيير الاجتماعي في المجتمعات والذي يحدث على مستوى القيم والعادات والتقاليد بشكل عام، وتكون مظاهرة على كافة فئات المجتمع ذكوراً وإناثاً وكذلك متعلمين وغيرهم وعلى المستويات الاقتصادية والاجتماعية ويتباين التغيير وفقاً لما ذكره.
وأضاف: أما بخصوص هذه الظاهرة فلابد من الإشارة أولا إلى الوضع في الماضي القريب كانت النساء يذهبن إلى المأتم وهن من غير أي زينة، ولكن تغير هذا الوضع الآن ويعود هذا الأمر ربما إلى طبيعة المكون الأنثوي حيث يتأثر النساء بالعوامل الخارجية المحددة لتصرفاتهن أكثر من المكون الداخلي، ويظهر ذلك جليا في الزيادة في استخدام أدوات التجميل والمكياج على العموم، كما أن للرجل دور أساسي في انتشار هذه الظاهرة، فقبوله باصطحابهن إلى المأتم وهن بذلك الوضع يعطي الرضا عنهن ويحفزهن لتكراره مستقبلاً.