إن الشارع السوداني بوضعه الكائن يسير على ذات النهج ــ نهج الأحزاب البائد ــ منذ عهد الاستقلال حيث لم تزل النظرة الدونية لمن يرتدي البذلة العسكرية وتصويره بتسطيح مفرط بأنه لا يرتقي علمياً إلى مصاف التكنوقراط أو أولئك الذين تعتبر ربطات العنق تأشيرة عبورهم إلى كرسي الحكم!ولا أدري حقيقة لِمَ يتعاظم هذا الجهل بقيمة العسكريين في القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة؟ الأبطال في الميدان وعلماء بحوث وأساتذة جامعات…وأرجو من الأخ سعادة الفريق “عبد الفتاح البرهان” رئيس المجلس العسكري الموافقة لنشر بحوثهم القيمة في شتى مجالات العلوم المدنية.
فالمتتبع لحراك ما بعد سقوط “البشير” يلمس ذلك جلياً حيث يجهل هؤلاء أن الكلية الحربية السودانية تعد من أقدم المؤسسات التعليمية بالقوات المسلحة قاطبة وتتمتع بثقة عالية نظراً لكفاءة خريجيها، كما تتمتع بسمعة جيدة في جميع الدول العربية والأفريقية، نظراً لتأهيل العديد من أبناء هذه الدول فيها، أيضاً للنتائج المميزة التي يحققها مبعوثوها خارج الوطن من ضباط الكلية الفنية العسكرية وكلية الطب والهندسة والإدارة وتقنية الحاسوب وغيرها من الكليات العلمية التي تؤكد أن من ينتمي للكلية الحربية السودانية ليس عسكرياً فحسب بل يمتلك القدرة الكافية على إدارة شؤون البلاد إذا ما قرر خلع بذلته العسكرية وارتداء (عِمته) وزيه الوطني الأصيل!فهل يتخلى العسكريون عن عادتهم هذه المرة ولو من باب إثبات أهليتهم العلمية؟ أم يستمرون كما هم جسراً لعبور الأحزاب إلى السلطة؟.
ثمة بوادر ظهرت على سطح المظاهرات وصفوف المعتصمين معظمهم حديثو عهد بالسياسة ولم يصابوا بعد بلوثة الأحزاب الذين يتحينون فرصة ذهبية لاقتناص مكتسبات غضبتهم وسرقة أحلام الشباب، فالتعبئة الخارجية التي مارست دورها وفق أجندة مدروسة هدفت إلى صب الزيت على النار ليبقى الشطط مشتعلاً ما بين المجلس العسكري والمعتصمين، كما فعل سفراء بعض الدول الغربية الذين شاركوا المعتصمين الصائمين فرحة إفطارهم في رمضان وهم لا ناقة لهم ولا جمل بروحانية هذا الشهر الفضيل،وللأسف هؤلاء السفراء الذين مارسوا دوراً مارقاً عن الأعراف الدبلوماسية لقوا إشادة من بعض الشواذ وطنياً وسياسياً وأخلاقياً الذين أساءوا للسعودية والإمارات الذين لم يتوقفوا عن دعمهم المالي والسياسي والأخوي الصادق، وساهموا في إخراج الاقتصاد السوداني من عنق زجاجة العوز والحاجة – ولا أدري هل هو جزاء سنمار ؟!
أيضاً لا يفوتني الإشارة إلى تلك الفضائيات المغيبة العربية والغربية عن واقع الشارع السوداني وبثت أخباراً معظمها من نسج خيال مراسليها وبعض حواراتهم العقيمة البعيدة عن صلب الأحداث إضافة إلى تلك المحطات الفضائية العميلة المجندة فقط لزرع الفتنة سواءً في السودان أو غيره من البلدان العربية فهي تمارس الكذب حتى في أخبار الطقس ونشراتها الجوية!
مرة أخرى: حتى لا يستمر العسكريون جسراً عبور للأحزاب فقد وجب التنويه للحفاظ على السلطة(إذا)لم يبلغ الأحزاب رشدهم السياسي!