ضغط الدم .. يا حاضراً رغم الغياب
بالنسبة لي كان جهاز قياس ضغط الدم الذي يستخدم في المستشفيات محض غرابة… إذ أنني لا أستطيع الربط بين ضغط الدم وهذه القراءة الخيالية…وأحياناً أشعر أن الطبيب أو الطبيبة يستعجلان فتح صمام الهواء وأشك في قراءاتهما فقط لأني لم لكن أفهم شيئاً عن كيفية هذه القراءة ومدى صحتها…
واليوم…
كنت في قمة دهشتي وأنا أنصت للأستاذة “ريماز” وهي تشرح كيفية قياس ضغط الدم…
والطرق الصحيحة لذلك….
تابعت المحاضرة بمتعة وشغف… تماماً كما ينتبه الطفل لمسلسل الأطفال الذي يحب… وكما يتابع الأذكياء برامج المعلومات…
ثم جاء دوري لأعامل كـ(مريض) وزميلتي تعمل على قراءة الجهاز…
ضحكت (شريفة) وهي تأخذ قراءتها الأولى…سافرت أنا بخيالي بعيداً.. وتذكرت المعلومة التي علمتها قبل قليل أن القراءة الأولى تكون للـ(سيستول)الذي يجب أن تكون قراءته في الوضع الطبيعي (120)…وتؤخذ قراءته بعد أن يتساوى ضغط الدم مع ضغط الهواء الواقع على الشريان ثم ينفجر الصوت إلى السماعة الواقعة على أذني الطبيب… ثم فجأة تذكرت ابتسامة زميلتي…انتفضت للحظة.. ربما تكون هذه الابتسامة نتيجة سماعها لصوتك وأنت تقفز بين الشرايين و(تلخبط) النبض وقراءة جهاز القياس.. أو لأنها سمعتك وأنت تدندن إحدى أغنياتك الرائعات….
ولربما فغرت فاهها دهشة لأنك حاضر بهذه القوة.. ولأن حضورك أحاط بنبضي من كل اتجاه…
فسمعت الطبيبة (صوتك) طاغياً على تدفق الدم فأخذت(السيستول) من غنائك.. ثم هدأ صوتك فجأة لأنك شعرت بأذنها تترقب صوتك… قفزت أنت إلى القلب مرة أخرى… فاعتبرت خروجك من الشريان (دياستول) وكنت أنت قياس ضغط دمي…
خرجت من غرفة التمريض في الكلية وأنا أشعر بك تمشي معي.. قلباً بقلب ونبضاً بنبض….
يراك الناس تمسك بيدي.. تخرجني من عتمة البعد إلى واقع حضورك المضيء….
نمشي معاً.. عبر كوبري(كوبر) ثم ينتهي بنا المطاف عند (رشا) لنحتسي عندها القهوة من أمام بوابة البحرية والشارع كله يردد(حريه سلام وعدالة …والثورة خيار الشعب)….
ثم أعود أدراج واقعي فأجدني وحدي… عند إحدى الكنداكات والناس يرددون (ارفع إيدك فوق والتفتيش بي ذوق ماتزعل)
وأنا (أزعل) فقط لأنك لست هنا.. ولأن هذه المتعة التي أجدها بين ظهراني الوطن الحبيب لست جزءاً منها….
ياحاضراً رغم الغياب…
وينك تناتق ليك بنات الروح…
وأوطانك سراب .