الفتنة الدينية
كل المؤشرات وقراءات ما يجري الآن في الساحة من (مشاحنات) وبوادر عنف بين الصوفية والسلفيين، سيقود البلاد لمحنة جديدة وفتنة كبيرة، إن لم تتدارك النخب وقادة الجماعات السلفية والصوفية الموقف، وتجعل الحكومة وأجهزتها من ملف الفتنة الدينية والصراع المذهبي – الذي تغلغل في الساحة – من الأولويات القصوى. وقد كشف وزير الدولة للأوقاف “محمد المصطفى الياقوتي” في حديث لـ (المجهر) من قبل عن مبادرة لوزارته لعقد حوارات بين السلفيين والصوفية.. ولكن مبادرة وزير الدولة المثقف العالم لم تجد من يدعمها ويستشعر مخاطر الصراع بين الصوفية والسلفيين، الذي بدأ قبالة خلاوي الشيخ “عبد الرحيم البرعي ود وقيع الله” في شمال كردفان بما عُرف بمسجد قرية (أم عشوش).
وخلال السنوات الماضية بعد انسحاب الحركة الإسلامية من ساحة الإصلاح الاجتماعي وانشغالها بالسلطة وبريقها وثمراتها وقطوفها الدانية وظلالها الوارفة، بدأت التيارات السلفية بتعدّد مشاربها – من جماعات التكفير والهجرة وجماعات السلفية الجهادية وأنصار السنّة – التغلغل في الجامعات والمدارس الثانوية، وتمدد السلفيون في كل مكان بفضل مثابرتهم على الدولة و(مهادنتهم) للمؤتمر الوطني مؤقتاً ريثما يتمكنون.. بل طرح التيار الإسلامي السلفي نفسه كبديل للحركة الإسلامية التي بسبب انشغالها بالسلطة والحكم – كما أسلفنا – أضحى الجميع يسعى لوراثتها، من السلفيين حتى منبر السلام وجماعات التكفيريين والعلمانيين.. وانتخابات الاتحاد الطلابية في الجامعات تؤكد بالأرقام تنامي التيار السلفي الجهادي وفرص صعوده شعبياً.. لكن السلفيين أخذوا في السنوات الأخيرة يشاركون في (احتفاليات) الصوفية بميلاد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في ساحات المولد.. يطرحون خطاباً إسلامياً مغايراً بالحسنى ويقدمون أنفسهم دعاة إصلاح وتصحيح عقيدة، فوجدت دعوتهم بالحسنى صدى ورواجاً وسط الشباب من خريجي الجامعات ومن النساء، وكسر السلفيون طوق العزلة الذي كانوا يعيشون فيه بتغلغلهم في القرى البعيدة.. ولكن بعض منهم أخذته الحماسة الشديدة للغلو والتطرف وانتهاج سياسة الإقصاء من مستوى الوجود إلى مستوى الفعل.. ومثل حادث الهجوم على الصوفية في مقابر الشيخ حمد النيل مساء الجمعة علامة فارقة وتاريخاً جديداً وحدثاً لا يُمكن الاطمئنان لما بعده لمجرد كلمات قالها معتمد أم درمان الفريق شرطة “أحمد إمام التهامي”، الذي تحدّث عن عودة الأوضاع الأمنية لوضعها الطبيعي في وقت وجيز من هجوم السلفية الجهادية على الصوفية، وإن الشرطة ألقت القبض على بعض المتفلتين ودونت بلاغات في مواجهتهم.. تلك مهمة الشرطة، ولكن مهمة معتمد أم درمان السياسية والتوعوية تبدأ من حيث انتهت مهمة الشرطة، فالعنف حالة ثقافية، القضاء عليه بالتوعية والحوار، لا الإجراءات (البوليسية) المؤقتة..
صحيح واجب الدولة رد العدوان واستتباب الأمن وحماية (الأضرحة) والمساجد وساحات الذكر في المولد.. ولكن مسؤولية الدولة في (نزع غلالة العنف) وفتح نوافذ الحوار والإصغاء لرؤية الوزير “الياقوتي”.. ومهمة الشيخ الشاب “الزبير أحمد الحسن “الأمين العام للحركة الإسلامية تتجاوز (تنويرات) القواعد بالمحاولة الانقلابية وإصدار بيانات التهانئ.. ولكن متى تعود الحركة الإسلامية لساحة هي لها ولكن سادها غيرها وبدأت الآن بوادر فساد ستشقى بها الحركة الإسلامية قبل غيرها؟!