الديوان

الرسائل الإلكترونية تطيح بالـ(خطية).. راح زمان كان ليك مكانة

البريدو مالو تأخر (بريدو)

الخرطوم – المجهر
دائماً ما تكون أحاسيس الترقب والانتظار محفوفة بأجمل اللحظات وأمتعها، خاصة تلك التي ينتظرها الشخص من عزيز أو صديق أو حبيب أو قريب، كما تختلف أشكال الترقب والأمنيات المترتبة عليها، وفي ذلك لعبت الرسائل دوراً عظيماً، وأحدثت منذ أن عرفها الإنسان وإلى الآن حالة من التواصل بين البشر، وأثرت كثيراً على حياة الناس، ورغم تطور تقنيات الرسائل، إلا أنها ما زالت تحمل بعضاً من ذلك العمق والدفء القديم.
{ (ص. ب).. الأكثر دفئاً
تعد وسائل الاتصال الحديثة عبر الانترنت وأشهرها موقعي التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر) والكثير من المواقع الإلكترونية الأخرى و(الماسنجر) والبريد الإلكتروني، تعد التقنيات الأكثر شيوعاً واستخداماً في التعارف بين الناس من الشعوب كافة لسهولة الحصول عليها وتوفرها، لكن رغم كل هذا التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، إلا أن المراسلة عبر صناديق البريد ما زالت تحتفظ بدفئها وكونها الأكثر تشويقاً وعمقاً – كما يعتقد كثيرون.
{ هواة المراسلات البريدية
كثيرون ما زالوا يدأبون على هوايات المراسلات البريدية العادية للتمتع بدفء التواصل عبر الكتابة اليدوية، لأن تلك الحالة التي يعيشها الشخص لوضع رسالته في (البوستة) أو عندما يذهب لفتح صندوقه البريدي أو يأتيه ساعي البريد يطرق على بابه حاملاً إليه رسالة يدق لها قلبه، وترتعش أصابعه لحظة فضها، هذا شعور لا يتوفر لدى مستخدمي التقنيات الحديثة، خاصة وأن العينات من مستخدمي الإنترنت التي استطلعناها أكد جلها أنهم يشعرون بأن الرسائل الخطية المرسلة عبر البريد التقليدي أكثر عمقاً وصدقاً.. (المجهر) استطلعت بعض عشاق وهواة المراسلة البريدية فكانت هذه الإفادات.
{ ركن الرسائل (مونت كارلو)
تقول الشابة “غادة عبد العزيز” إن التعارف عموماً يخلق مساحات للتواصل الهادف بين أصدقاء المراسلة، وذكرت أنها بدأت المراسلة البريدية مبكراً منذ العام 1997م حيث كانت أجهزة الكمبيوتر نادرة وبدأت بركن الرسائل بإذاعة (مونت كارلو) الفرنسية الشهيرة تبعث رسائلها لبرنامج (بنك الصداقة) وغيره، إضافة إلى عدد من الإذاعات العربية خاصة في جمهورية (مصر العربية).
وعن شكل التعارف أوضحت أنه يكون عن الاسم والعنوان والعمر والهوايات، لافتة إلى أن هذا كان شكل التعارف، وذكرت “غادة” أن المراسلة البريدية كانت تبعث في النفس روح التشوق والانتظار لرسالة من صديق خاصة وأن في (مونت كارلو) تدعو الأصدقاء الذين يريدون مواصلتهم عبر البريد الخاص، وكانت بمثابة فرصة لخلق المزيد من الاجتماعيات من أجل التعارف الراقي الذي اتسم بهذه الصداقات، على عكس ما يردد في (فيسبوك) الذي ينتشر بصورة مزعجة، حيث لا تشويق ولا إثارة في تلقي المعلومة والتعارف، بالإضافة إلى ذلك التعرف على عادات وتقاليد البلدان وتبادل التراث، مبينة أن أكثر ما كانت ترسله لأصدقائها وصديقاتها هدايا في أحجام صغيرة من تراث السودان، وكانوا يبادلونها نفس الشعور. وتضيف “ست الحسن حسن” إنها في التسعينيات كانت تراسل الكثير من الأصدقاء حول العالم في كل من (السعودية) و(لبنان) و(سوريا) و(أوروبا) و(أمريكا)، حينها كانت تستمتع بإرسال الخطابات لهم، كما تسعد عندما تذهب لفتح صندوق بريدها وتأتي منزلها تتوسط سريرها وبشغف تفتح رسائل الأصدقاء، موضحة أن الأوراق المكتوبة يبدو معظمها جميلاً وزاهياً بالألوان والخطوط المبهرة، مشيرة إلى أن الجميع كان يبدع في تصميم أشكال (الجوابات) المرسلة، وزادت: (كانت أياماً للإبداع والمثابرة على فعل كل ما هو جميل ليصل الأصدقاء، كنا نجوب المكتبات لنحصل على الورق الجميل).
{ (فيسبوك) كلام فارغ
وفي السياق يوضح “محمد علي” أنه استفاد قديماً جداً من التواصل البريدي العادي وذلك في الثمانينيات، وقد اشترك أيضاً في ركن الرسائل بـ(مونت كارلو) وكسب أصدقاء لا يزالون يراسلونه، ووصف التعارف وقتها بالمفيد والصادق، بينما وصف التواصل الاجتماعي الآن على (فيسبوك) بأنه فارغ لا يفيد المشترك شيئاً.
وأكد “الطيب الحاج” أن التواصل البريدي سابقاً استفاد منه جيلنا، إذ كان يراسل المجلات وكسب كثيراً من أصدقاء المراسلة الطموحين في الحياة، وأشار إلى أن الوسائل الحالية تفتك بالصداقات ومرتع للكثير من الخبث وإثارة المشاكل.
كما وصفت “هند محمد” أن المراسلة كانت حميمة خاصة بين الصديقات، وقالت إن تبادل الثقافة الغذائية كان الأكثر بين البنات، فيتبادلن وصفات الفطائر والأكلات المحلية والعالمية خاصة مع الشاميات وتجد التطبيق والاهتمام.
وأوضحت “هيام عبد الله” أنها وبفضل المراسلة اكتسبت معرفة عميقة في التراث، فعرفت (النواعير) السورية، وهي من بقايا الحضارة الرومانية، وعرفت الكُتّاب المشاهير حينها، ولم تكن تعرفهم لمحدودية الوسائل أمثال “فاروق جوهرة”، “أمل دنقل” و”نزار قباني”، عرفتهم عن طريق أصدقاء بلدانهم، كذلك علمت أن المطرب السوداني الرقيق “العاقب محمد حسن” قد تغنى للأمير “فيصل” بقصيدته الرائعة (نجوى)، هكذا أخبرها صديقها السعودي الذي كانت تراسله، مؤكداً لها أن السودان مليء بالمبدعين، وزادت هكذا كان التعارف هادفاً، كلُ يعكس وجه بلده المشرق وعلماءه وأدباءه وفنانيه، وأضافت: (أخبرني صديقي من سوريا أنه من أسرة الريحاني الفنية الشهيرة، وهي التي ترعى الآن برنامج “استار أكاديمي” الشهير، وهي أسرة ممتدة من المطربة “فيروز”).
وختم “محمد عبد الماجد” قائلاً إن أصدقاء المراسلة قديماً كانوا يقدسونها ويعرفون معلومات كافية عن بعضهم البعض في الجامعات حين كانت في السودان قليلة ومعدودة، وأكد أن البريد العادي أصبح غير مرغوب فيه إلا للضرورات مثل إرسال الأشياء الثقيلة الطرود وغيرها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية