دارفور الجديدة!!
أرجو ألا تذهب بك الظنون عند قراءة العنوان بأن الزاوية تجتر ذكريات الصحيفة التي نشأت في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، في كنف حكومة الدكتور “الطيب إبراهيم محمد خير”.. تلك الصحيفة (ماتت) مثل عشرات الصحف الولائية.. رغم أن الصحيفة (الميتة) دارفور الجديدة كانت قومية التوجه والانشغالات ولا يربطها بدارفور إلا الاسم وتزين صورة الجنرال “الطيب” (سيخه) أمام الرأي العام، وتقديمه كمنقذ لأهل دارفور من الضلال والفسوق والعصيان، أو كما قالوا في ذلك الزمان القديم!!
دارفور الجديدة واقع يعيشه من يعرف تلك الأرض التي تغطيها الجبال والوديان.. ويعيش إنسانها على الأمل والقناعة الصوفية القديمة، أن تزرع الأرض ويحصدها آخرون يضاعف لك رب العباد في حساب حسناتك يوم الحساب.. ومن ظلمك في الدنيا ضاعف حسناتك يوم القيامة.. وخلال العشرين عاماً الماضية زرت وزار مثلي مئات الصحافيين دارفور غربها وشرقها وجنوبها وشمالها.. تعددت الرحلات.. ودارفور تتقلب في أوجاعها.. ومشكلاتها.. وخلال عشرين عاماً مضت ظلت دارفور تشكو الإفلات الأمني وغياب هيبة الحكم وأثر الدولة.. وانقسام المجتمع إلى سحنات متخيلة.. مزاعم عرقية لا يسندها منطق.. وأطماع تاريخية.. لا أثر لها في واقع الناس.. وكانت لقاءات المسؤولين بالنخب وقيادات تعزف لحناً وحيداً عن مواجع الأمن.. وانتهاكات الحقوق.. والقتل.. والنهب.. والسلب.. والصورة النمطية في مخيلة الناس إن دارفور انفرط عقدها.. وتبعثرت وحدتها وخرجت سلطة الدولة وحلت مكانها سلطة القوة غير المنظمة.. وبات القوي من يملك الدوشكا.. وسيارة اللاندكروزر، والضعيف من يزرع ولا يحصد ذرة.. ويبني ويسكن داره الآخر.. حتى (خرجت) الدار.. وانتهى العمار.
بالأمس كنت في رفقة مساعد الرئيس د.”فيصل حسن إبراهيم” في زيارة امتدت ليومين وشملت ولايتين غرب ووسط دارفور.. وعقد خلالها مساعد الرئيس لقاءات سياسية مفتوحة وأخرى مغلقة.. وثالثة بين جدران صماء لا يتسرب ما يدور داخلها لخارجها.. في كل اللقاءات لم يجأر أهل دارفور بالشكوى من الأمن؟ وتبدلت اهتمامات الناس للمطالبة بتوطين صناعة الزيوت.. وقيام مشروعات كبيرة لتصدير إنتاج دارفور للخارج.. واتهام الرأسمالية الوطنية بالخوف من الاستثمار في دارفور.. في الجنينة عاصمة غرب دارفور التي شهدتها في العشرية الأولى من تاريخ نشوب النزاع واحدة من أسوأ وأبشع الصراعات القبلية في السودان.. ما عادت الجنينة تتذكر الماضي.. ولا تشكو من هجمات الرعاة على مزارع المزارعين في مثل هذه الأيام وهي أيام الحصاد.. وبسطت القوات الأمنية سيطرتها على الأرض.. ولقوات الدعم السريع الأثر الكبير في التعافي الأمني لولايات دارفور.. وللمجتمع الفضل في نبذ الصراعات بعد أن أرهقته وأضعفته.. ولم يحصد منها سوى الدموع والدماء.. في لقاءات مساعد الرئيس تحدثت القيادات عن كل شيء سوى الأمن، طالبوا (صراحة) بإلغاء سياسة دعم الدقيق لأنها غير عادلة.. وهم آخر المستفيدين من الدعم!! وعزفت بعض القيادات لحناً آخر في تفسير الاحتجاجات الأخيرة واعتبروها (ثورة مترفين) لا تعنيهم في شيء، بل قال بعضهم لن يقرر مصيرنا ناس الخرطوم وشمبات وبري ونحن من نقرر مصيرنا!!
تفاصيل بداخل العدد..