ذمة “معتز”
لا أحد شكك في ذمة “معتز موسى” الشخصية ولا في نزاهته وحُسن سيرته، نقول (حتى الآن) لأن الأيام دول.. والليالي حبلى.. وما كنا نعتقد بأنهم أنبياء في الطهر والاستقامة، انقلبت نفوسهم بفساد السُلطة المطلقة وضعف الوازع القيمي والأخلاقي وغياب الرقابة والمحاسبة.. في بلادنا.. وحتى اللحظة لم يثبت للمراقب والمواطن العادي أن رئيس الوزراء، من طينة الرجال الفاسدين في أنفسهم.. أو حتى المفسدين (لغيرهم).
يقسم السيد “معتز موسى” الذي يجمع بين رئاسة الوزراء ووزارة المالية.. وأمانة المال في الحزب الحاكم.. وربما رئاسة مجالس إدارات بعدد الحصى مثل بقية المسؤولية.. يقسم بأنه لا ينال راتباً من وظيفته الكبيرة رئيس الوزراء.. ولكنه ينال راتبه كوزير مالية في حكومة السودان، ومن قبل قال السيد “الصادق المهدي” عند انتخابه رئيساً لوزراء الحكومة الديمقراطية الثالثة إنه لا يتلقى راتباً من الدولة ويعمل متطوعاً لخدمة الشعب، ولكنه في عهده كرئيس للوزراء نالت أسرة “المهدي” التعويضات الشهيرة التي كانت سبباً في انقشاع هالة القداسة والنزاهة التي أحاطها حزب الأمة بقائده السياسي وزعيمه الروحي.. و”معتز موسى” موظف في الخارجية.. ارتقى سريعاً لمنصب رئيس الوزراء برافعة الحزب متجاوزاً أجيالا وأجيالا.. ولم يعرف عنه انحراف سلوكي في تجربته كوزير للموارد المائية والكهرباء.. ولكن من قال لرئيس الوزراء بأن (المسؤولية) عن الدولة يحاسبون عن رب العباد بسلوكهم الشخصي.. ويسألون يوم الحساب عن صلاتهم وزكاتهم إن كان لهم مال.. وصومهم وحجهم؟ ومن قال لرئيس الوزراء إنه محاسب حتى عند الشعب معنوياً في غياب المحاسبة المؤسسية بسلوكه الشخصي وترفعه عن (أكل) مال اليتامى والمساكين؟
السيد رئيس الوزراء يسأل يوم الحساب عن كل ظلم حاق بموظف في محلية سودري.. وعامل في السكة حديد بمحطة سنكات.. وامرأة حبلى تعثرت بالولادة في بادية البطانة لأن الدولة فشلت في توفير حقنة لها ولجنينها.. ويسأل رئيس الوزراء عن الشباب الذي تقدم لوظيفة في وزارة الخارجية أو وزارة العدل أو المالية وتجاوزه الاختيار لا لضعف كفاءة أو مقدرات، ولكن بسبب الانتماء السياسي والتصنيفات التي أفقدت وطنا كفاءة نادرة!! ومثلما كتبنا قبل أسبوعين فإن رئيس الوزراء يسأله رب العباد يوم أن يقف الناس أمامه منزوعين من أبهة السُلطان وحراس البوابات.. عن الظلم الذي حاق بالرعية وأفراداً وجماعات وضربنا مثلاً بمظاليم الحكومة الذين يقبعون في سجون “الهدى” و”كوبر”.. ممن أنجزوا للحكومة أعمالاً ومشروعات تنموية وعجزت الحكومة عن سداد ما عليها من التزامات وعجز التجار بعجز الحكومة عن سداد ما عليهم من التزامات فذهبوا إلى السجون.. منهم من مات ومنهم من ينتظر؟
وإذا كان رئيس الوزراء نظيفاً في نفسه عفيفاً متطهراً من شبهات الفساد فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية بفساد الآخرين ممن هم تحته أو فوقه.. والمسؤولية تقضي أن يقيم السيد “معتز” العدل وينصف المظلومين، أما مسألة سلوكه الشخصي ونزاهته فتلك قصة لم يسأل عنها أحداً.. أو هكذا يبدو الأمر.