أخبار

قطار الثورة

تسابقت الأحزاب وتكالبت على ثورة الشباب التي بدأت احتجاجية مطلبية لتحسين إمداد الخبز والجازولين والسيولة.. ولكنها أصبحت سياسية بعد أن امتطى ظهرها قادة الأحزاب والانتهازيون سارقو عرق الجماهير ونضالاتها.. وإذا كان تنظيم تجمع المهنيين الذي لا يعرف له قيادة أو برنامجاً إلا الشعار البائس (تسقط بس) والذي يعبر عن حالة الجفاف التي تعانيها الساحة ونضوب خيالات صناع الثورات في اختيار شعار يرمز للأمل والمستقبل أكثر من الرمزية الصراعية العدمية (يسقط بس) والتي دفعت قوى النظام الحكام لرفع شعار ولد أيضاً من مستودع البؤس في الساحة (يقعد بس)!!
السؤال هل القوى الشبابية التي خرجت للشارع وقوداً للتغيير هي قوة مؤطرة سياسياً؟ ومن أين جاءت؟ وما هي مطالبها؟ مثل هذه الأسئلة الإجابة عليها تحت وابل الحجارة ودخان معركة الشارع (قومة النفس) وجراح الشهداء ودموع الأمهات على الفقد الكبير لبلادنا جراء العنف الذي ساد الساحة في الأيام الأخيرة صعباً جداً.. وكثير من الحقائق لا تزال غائبة عن المراقبين والصحافيين.. لكن بنظرة عجلى للمتظاهرين في الشارع فإن (90%) منهم فئة عمرية دون الـ(30) عاماً.. شباب ولدوا في سنوات الإنقاذ ولم تكتحل عيناهم برؤية رئيس آخر غير “البشير” ولا نظام سياسي غير نظام الإنقاذ.. أكثر من (13) ألف خريج الآن من جامعات البلاد يجلسون على أرصفة الطرق.. يحدقون في الفضاء الاجتماعي والسياسي ويرتد البصر خاسئاً وهو حسير.. يشاهدون في المساء نشرات الأخبار بحثاً عن خطاب يبعث في نفوسهم المحبطة الأمل.. ولكن يخيب ظنهم عندما تتساقط على أذانهم وعود السياسيين بإراقة الدماء من الجميع.. والوعود بفناء الآخر ودق عنقه ويطرقون أبواب الوظيفة العامة.. وتضيق فرص التوظيف.. يلجأون للبحث عن تمويل لمشروعات إنتاج تطردهم المصارف من أبوابها.. يعتزمون الهجرة لأرض الله الواسعة.. تغلق عليهم السُلطة أبواب الهجرة بدلاً من تشجيعها.. هؤلاء لا صلة تنظيمية تجمعهم بحزب الأمة القومي أو حزب الأمة للإصلاح.. ولم يقرأوا كتاب رأس المال وكل أدبيات الشيوعية التي غربت شمسها في مواطنها.. ولا تثير تجربة حزب البعث في العراق وسوريا إعجابهم حتى يبحثون عن ما قاله “صلاح الدين البيطار” و”ميشيل عفلق”.. ويسألون عن حزب المؤتمر السوداني ويصعب عليهم التميز بينه وحزب المؤتمر الوطني.. ولا يعرفون شيئاً عن “عبد الواحد محمد نور” سوى بندقيته التي قتلت الناس في دارفور.
هؤلاء هم وقود الاحتجاجات الحقيقيين لا يبحثون عن زعامات تستدعي من كهوف التاريخ لتحكمهم وفق منهج قديم..
هؤلاء الشباب قضاياهم لا علاقة لها بانتهازية الأحزاب التي تخجل من أسمها وتتخفى وراء كيانات هلامية.. وقد أدرك المؤتمر الوطني مؤخراً جداً أن قطاع الشباب في حاجة للشباب.. وأن التغيير وحده لا يخاطب قضايا الآلاف الجالسين والجالسات في الأرصفة وأناملهم على الهواتف الذكية يخربشون في الشاشات بحثاً عن مستقبل قادم يصنعونه بأنفسهم.. ولكن الأحزاب انهالت نحوهم لسرقة حصاد يأسهم في رابعة النهار أو في منتصف الليل، فهل يدرك الشباب خطر الانتهازيين على حصاد عرقهم!! وثمن دمائهم!!

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية