أخبار

خربشات

(1)
فاجأني الشيخ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية وزعيم الحركة الإسلامية السودانية بعد رحيل “الترابي”، رغم وجود أمين عام.. فاجأني أولاً باتصال في وقت تشهد فيه الساحة السياسية زخماً واستقطاباً حاداً وهو مخاض لميلاد شيء ما يتخلق الآن في رحم الوطن.. “وعلي عثمان” سياسي واقعي قريب من الناس (العاديين) وعلى صلة بالإعلاميين والسياسيين سواء كان في قلب الجهاز التنفيذي أو في وسط المشهد السياسي العام.. لا تبدل شيخ “علي” المواقع، ولا تهزه هزيمة، ولا يبطره نصر سياسي..وقد حقق من الانتصارات لحركته الإسلامية ولحكومته ما يضعه في مقام القائد.. بعد رحيل “الترابي”.
“علي عثمان” يقرأ الصحف.. ويشخبط بقلمه على بعض المقالات والآراء التي يختلف أو يتفق مع كتابها.. لكنه يقرأ في زمان أقلع فيه معظم الناس عن القراءة ويباهي بعض المسؤولين بجهالاتهم بأنهم لا يقرأون الصحف.. دع المقالات الأدبية والثقافية مثلما يقرأ “علي عثمان” الذي صوب خربشات (الجمعة) قبل الماضية ، والحديث عن المطرب “محمد الأمين” والشاعر “محمد علي جبارة”.. والإشارة إلى بعض الشعراء الذين تغنى بعض قامات الغناء بالقليل مما كتبوا.. وجاء ذكر الشاعر “صاوي عبد الكافي” شاعر أغنية حبيب القلب.
المفاجأة أن الشيخ “علي عثمان محمد طه” يحفظ الكثير من أشعار “صاوي عبد الكافي” النوبي الغارق في العشق والجمال.. والذي تغنى وردي من كلماته بأغنيات حبيب القلب، وأمير الحسن .. وأعذب ما كتب “عبد الكافي”:
نسيت الود والعشرة الطويلة
وكيف ينساها ما بين وليلة
أشيل من فكري ذكراك الجميلة
محال يا روحي ما باليد حيلة
وهذا النوبي المعذب بالحب والحنان والعشق قد كتب أغنية أخرى تغنى بها “سيد خليفة”، كما قال الشيخ “علي عثمان محمد طه” الذي من غير ما يريد يكشف عن وجه آخر لم يألفه الناس.. حتى الأقربين في أيام السلطة الذين تفرقوا الآن بعيداً عنه ولم يبقَ إلا قلة من الأوفياء أمثال “إبراهيم الخواض”.
(2)
قليل جداً من السياسيين العقائديين في المعسكرين الإسلامي والعلماني لهم اهتمامات بالأدب والفنون، وكان الراحل “محمد إبراهيم نقد” زعيم الحزب الشيوعي كثير الإصغاء للمطرب “زيدان إبراهيم”.
وقيل والعهد على الراوي القريب من “نقد” لسنوات طويلة الصحافي والأديب “فيصل الباقر”، و”نقد” كان يردد في كثير من الأحيان أغنية الوداع التي كتبها “إبراهيم ناجي” وتغنى بها “زيدان إبراهيم”.
داوي ناري والتياعي
وتمهل في وداعي
يا حبيب الروح هب لي
بضع لحظات سراع
آه لو تقضي الليالي
لتنبت باجتماع
ويقول الشيخ “علي عثمان محمد طه”، إن الشاعر “صاوي عبد الكافي” كان شخصية فذة وفناناً يرسم بريشته حروفاً أنيقة ولهذا السبب هرعت المؤسسات التجارية والشركات للشاعر “الصاوي عبد الكافي” ليرسم بريشته لوحات جميلة تزين واجهات المحلات التجارية قبل أن تفسد التكنولوجيا جمال الحرف الذي تخطه الريشة الذهبية لأمثال “كافي”، الذي سال قلمه وكتب معظم اللافتات بالخرطوم.. مدهش جداً تلك الأبعاد غير المرئية للكثيرين عن الشيخ “علي عثمان” الذي ظل صامتاً غير مفصح عن اهتمامات أخرى غير السياسة والتنظيم والقانون.. وإذا كان الإمام “الصادق المهدي” قد عرف باتساع المعارف الأفقية. غناء.. وشعر حديث وأمثال وحكم.. فإن كثيراً من السياسيين يظلمون أنفسهم حينما يهربون عن كشف مواهب أخرى.. مات البروفيسور “أحمد علي الإمام” بأسرار عميقة ولم يزح الستار عن مواهبه الشعرية والأدبية.. و”أحمد علي الإمام” يقرأ الشعر ويكتبه باللغتين العربية والإنجليزية، ويحفظ د. “نافع علي نافع” أشعاراً من بادية البطانة التي نشأ فيها .. ولمولانا “أحمد هارون” اهتمامات بالرواية والقصة والأدب.. فمن يكشف الوجه الآخر لشخصيات مثل “حاتم السر”، و”بكري حسن صالح”، و”فضل الله برمة ناصر”، ود. “جبريل إبراهيم”، و”مالك عقار”، و”إبراهيم الشيخ”؟!
(3)
جلسة في الهواء البارد وتحت أشعة شمس الشتاء الخجولة.. وضعت طاولة صغيرة.. ونحو سبعة كراسي في العراء المكشوف.. السيارات قادمة من جهة الغرب وأخرى من جهة الشرق.. اللواري السفرية تئن من وطأة أحمالها.. وجوه الناس ارتسمت عليها علامات الرضا.. في منطقة بالقرب من (أندراية)، الإدارية الموعودة بالنهضة الزراعية والحيوانية بعد اكتمال طريق الصادرات.. جلس الفريق “بكري حسن صالح”، وهو يرسل القفشات ويداعب من حوله من الوزراء وحراسه وسائقي الآليات العاملة في الطريق.. و”أحمد الشايقي” المدير العام لشركة (زادنا) يرفض مغادرة الوفد قبل تناول وجبة إفطار صباحية متواضعة في محتواها مثل شخصية “الشايقي” رغم نفوذه المالي.. والسياسي والتنفيذي في الدولة.. بدأ النائب الأول أسئلة ذكية لوالي شمال كردفان مولانا “أحمد هارون” عن خطة حكومة ولايته لاستزراع الأراضي الخصبة الممتدة من غرب أم درمان وحتى جبرة الشيخ.. وهل الماء في متناول اليد أم بعيد في أعماق سحيقة؟ ومن يروج للأراضي البكر والمشروعات، وكيف يمكن جذب الاستثمار العربي لزراعة القمح والنخيل بعد تجربة شركة (نادك) السعودية؟، المهندس “أحمد الشايقي” طلب من النائب الأول حل مشكلة الطاقة بمد خطوط الكهرباء غرباً حتى يستثمر في الأراضي الممتدة حتى وادي هور؟ لكن النائب الأول كان واقعياً وتحدث عن ضرورة الاستفادة في الوقت الراهن من الطاقات البديلة: الرياح.. وأشعة الشمس وإعادة استنساخ تجربة السعوديين في مشروعات الراجحي بشمال كردفان.
مولانا “أحمد هارون” لم يشأ الرد على أسئلة النائب الأول مباشرة، لكنه طلب تشريف النائب لاجتماعات اللجنة العليا لمشروع النهضة الأيام القادمة لعرض الخارطة الاستثمارية لشمال كردفان.. في جلسة أندراية كانت مساهمات معتمد محلية جبرة الشيخ “شريف الفاضل” دقيقة جداً.. وربما لأسباب اقتصادية واستثمارية عين “هارون” ، “شريف الفاضل” معتمداً على جبرة الشيخ، و”الفاضل” المرشح الأول لخلافة “هارون” في منصب الوالي حال مغادرته شمال كردفان في مقبل الأيام.. ولكن مشروعات شمال كردفان غرب أم درمان تمثل بارقة الأمل لتوفير دقيق القمح من أرضنا، ولنأكل مما نزرع بعد (30) عاماً من طرح ذلكم الشعار القديم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية