الديوان

"النور الجيلاني" يكسر حاجز الوصمة ويعيد الفن إلى رسالته السامية!!

وحينما أرخى ليل السبت الماضي سدوله، أطلق المبدع “النور الجيلاني” عنان حنجرته الذهبية بفضاء منتزه (عبود) ببحري، فجعل الأذان مشرعة ومنصتة حتى ساعات الصباح الأولى، فأيقن الحضور أن شلالات الفرح ستشق عباب الطرب الأصيل، فمطربهم الذي يغوص بنفسه في بحر الإنسانية حتى لا يتبقى منه شيء يتخذ من منحدرات الوجع متكأً له، يبذل جهده الأنيق بوقوفه إلى جانب جمعية المتعايشين مع فيروس الإيدز التي تضم بين جنباتها أناس اكتشفوا حقيقة إصابتهم، فطفقوا يطرقون أبواب الأمل والانفتاح على الآخرين، بدلاً عن الانكفاء على الذات ليقلبوا دفاتر الأسى ويضيعوا جزاءً عظيماً وعد به الخالق الكريم الصابرين عند الشدائد، وكادت الصورة تزيد ألقاً لولا (الوصمة) التي يرفعها مجتمعنا في وجوههم.
ضد الوصمة
هالة الوصمة تلك كبلت المتعايشين مع فيروس المرض حتى أصبحوا يشكلون حضوراً في كافة مناشط وفعاليات جمعيتهم، حيث أن عدداً من النساء مقدر من المتعايشات انتقل إليهن المرض من أزواجهن دون أن يطرقن أبواب سلوك غير كريم، وبذلك أصبحن ضحايا دون ذنب، فلا يعقل أن يتم إقصاؤهن ووصمهن بالعار فيتلظين بالأسى ويكتمن الحقيقة حتى عن أقرب أقربائهن، لكن بعد الارتفاع المضطرد في نسبة الوعي انكسر جزئياً حاجز صمتهن، وها هن الآن يتلقين العلاج ويتناولنه بحرص كيما يدفعن عنهن وأطفالهن أذى المرض القاتل.
ومن بين الصور التي تؤكد بجلاء أن الاهتمام برفع مستوى الوعي في مجتمعنا أضحى في ارتفاع مستمر، انعقاد مناشط عديدة خلال الفترة الماضية على شرف الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الإيدز. كشف مدير البرنامج القومي لمكافحة الإيدز “إيهاب علي حسن” خلال مخاطبته افتتاح الملتقى التنويري لقيادات التحالف السوداني لقضايا المرأة والايدز بمدينة (الدامر) في الثاني عشر من ديسمبر الجاري، كشف عن تركز مرض الإيدز في السودان وسط الفئات الأكثر عرضة، وهو يشير إلى أن السيطرة على الوباء تتطلب المزيد من جهود المكافحة. ودعت حرم رئيس الجمهورية “وداد بابكر” إلى ضرورة تسهيل إجراءات الزواج، وتوفير مراكز الفحص ورعاية الحوامل لمنع الانتقال الرأسي من الأم الحامل إلى الجنين، ونوهت إلى أنه حسب الدراسات العلمية أن النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض الايدز، وجددت دعمها لقيام التحالف السوداني في (8) ولايات جديدة لمكافحة المرض.
تجربة عملية ونجاح باهر
ومن بين الحقائق التي آثرت الورشة ذات الصلة التي أُقيمت في مدينة (الدامر) تسليط الضوء على طرق انتقال فيروس المرض من الأم إلى طفلها، خاصة وأن الإيدز ينتقل في فترة الحمل وأثناء الولادة والرضاعة، كما ناقشت الورشة أنفة الذكر كيفية القضاء على المرض في محور ما يعرف بالانتقال الرأسي، وطرحت الوسائل الكفيلة بالوقاية منه. وفي هذا الصدد لا بد من التطرق لتجربة ولاية القضارف التي تؤكد أن ذلك أمر يمكن إنجازه بيسر في حالة إتباع تدابير معينة تحول دون انتقال الفيروس رأسياً من الأم إلى جنينها، حيث أنجبت ثمانية عشر أم مصابة أبناء لا يحملون الفيروس، ويتأتى ذلك بتطبيق محاور عديدة أهمها، تشجيع الشباب في عمر الزواج من الجنسين وبث الوعي في أوساطهم بأهمية إجراء الفحص والإرشاد، وهنا يتم تمليكهم الطرق التي يمكنهم عبرها الابتعاد عن الإصابة. وفي حالة اكتشاف امرأة أنها تحمل الفيروس تقبل على الزواج وتتوق بشدة لإنجاب طفل، فليس هناك ما يدعو للقلق، إذ أنه بإمكانها أن تنجب بشرط التزامها بمؤشرات محددة أهمها، الخضوع للرعاية التي يتم توفيرها للنساء الحوامل، وتناول جرعات علاجية مضادة للفيروس أثناء تلك الفترة، كما أنه عليها الولادة في بيئة تتوافر فيها رعاية صحية جيدة، وهنا من الأفضل أن يتم ذلك بعملية قيصرية حرصاً على صحة الطفل حتى لا يتمكن منه الفيروس، وعقب ذلك يتم التعامل مع الطفل باعتباره معرضاً للإصابة فقط وليس مصاباً، وأثناء الرضاعة يتم التعامل معه بشكل طبيعي حتى يبلغ شهره الرابع في حالة عدم وجود تقرحات في فمه، وتستمر بعد ذلك رعاية الطفل حتى يبلغ عامه الأول، وهنا بالإمكان إخضاعه لفحص فيروس الإيدز، وفي كل الحالات السابقة يتم تحكيم المنطق لرفع معدلات قبول الاحتمالات الأقل خطورة على الطفل، أي التي تبعده قدر المستطاع عن الإصابة بالفيروس.
بين صورتين
وما بين الصور الإيجابية في التعامل مع المصابين بمرض الإيدز والمتعايشين مع فيروسه، تلوح صور سالبة تحتاج جهودنا جميعاً، كل من زاوية تخصصه وحقل عمله، فيما يتعلق بمعدلات الإصابة بالمرض، حيث اغتنم ممثل صندوق مكافحة الايدز بالأمم المتحدة “حميد رضا” خلال مخاطبته الملتقى فرصة إيصال رسالة ضمنها خطابه لجمهور الحضور، مفادها أنه لا يوجد تناقص في حالات الإصابة بمرض الإيدز في السودان، وتوقع ظهور إصابات جديدة، ما لم يتم تكثيف الجهود لمكافحة المرض، وحذر من ظهور (25) ألف إصابة جديدة، ووفاة (15) ألف بحلول 2015م حال استمرار الأمر على ما هو عليه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية