المشهد المضطرب
أربك الرئيس “عمر البشير” المشهد الدولي والإقليمي.. بزيارته المفاجئة للعاصمة السورية دمشق صباح (الأحد).. وقذف “البشير” بحجر كبير في بركة الماء البارد في فصل الشتاء، وجلس يتأمل الدوائر التي خلفها سقوط الحجر في البركة الباردة.. وجاءت زيارة “البشير” لدمشق والعالم يترقب واقعة صدام قطبي كرة القدم الإنجليزية في مقاطعة المرسايد بشمال لندن بين ليفربول ومانشستر يونايتد.. وداخلياً مظاهرات على شاشات الهواتف النقالة.. ومواقع التواصل الاجتماعي.. وثورة شعبية اندلعت في عالم الخيال لإسقاط نظام الحكم الذي فقد السيطرة على سوق أم درمان وموقف جاكسون.. وإقليمياً تستعد منطقة القرن الأفريقي لاستقبال الأمير “محمد بن سلمان” الذي (برع) كلاعب بيده المال والسلاح.. وفي الدوحة قال وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” إنه في حال إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة في سوريا وفاز بها الرئيس “بشار الأسد” فإنه قد يكون على الجميع النظر في العمل معه.. وجاء حديث الوزير التركي في منتدى الدوحة الذي بدأ جلساته مساء (السبت).
وداخلياً يتواجد رؤساء أركان دول شرق ووسط أفريقيا في الخرطوم لحضور جلسات تعقدها قيادة قوة عسكرية خاصة بشرق أفريقيا، التي تشهد في الوقت الراهن.. تكالباً من قبل دول العالم التي تبحث لها عن وجود عسكري على شواطئ البحر الأحمر.. اليابان تؤسس قاعدة عسكرية في جيبوتي.. والصين تحمي مصالحها الاقتصادية في القارة الأفريقية من خلال وجود عسكري في القرن الأفريقي بدولة جيبوتي التي أصبحت (أرضاً) (مباحة) لكل راغب في تأسيس قاعدة عسكرية له بالمنطقة بعد أن كانت شبه مستعمرة فرنسية بوجود أكبر قاعدة لباريس هناك.. واختارت تركيا إقامة قاعدتها العسكرية في الصومال.. وفرضت حرب اليمن على الخليجيين البحث عن موطئ قدم في قارة (أهملها) العرب فاتخذوا من الأراضي الاريترية وميناء عصب قاعدة لهم.. وكل هذه المتغيرات مع صعود نجومية رئيس جديد لإثيوبيا برؤية مغايرة لأسلافه.. دفع السودان نحو تحصين نفسه.. وإعادة النظر في كثير من المواقف السابقة من دولة مثل سوريا.. صمد نظامها برئاسة “الأسد” في وجه حرب إقليمية كان مسرحها التراب السوري، وكثيراً ما أبدى الرئيس “عمر البشير” إعجاباً بصمود “الأسد” …ومشهد سوريا الداخلي شيء وسوريا في الإعلام الخارجي شيء آخر.. والعواصم الخليجية أخذت في الفترة الأخيرة تعيد النظر في مواقفها من النظام في سوريا.. وخاصة بعد اقتراب اليمنيين من التوافق والتصالح في السويد بإيعاز ورعاية وحضانة غربية.
كل هذه التطورات والأحداث المتناثرة التي تبدو في بعض جزئياتها لا علاقة لبعضها بأخرى إلا أن ثمة خيوط رفيعة تجمعها.. والسرية التي اتخذتها السلطات بعدم الإعلان عن الزيارة.. وبصورة مفاجئة الإعلان عن وصول الرئيس “البشير” من زيارة خارجية، رفع درجة الاهتمام بما يحدث بصورة دراماتيكية.. وقد ظهر الفريق “محمد مصطفى” مدير إدارة الاستخبارات العسكرية وهو يقف خلف الرئيس، ولوجود هذا الضابط الكبير القريب جداً من الرئيس في الوفد دلالات مهمة عن طبيعة الزيارة، التي غيب كالعادة الإعلام والصحافيون عنها لتقديرات يراها صناع القرار.. ولكن قراءة المشاهد السياسية من مدرجات المتفرجين شيء.. ومن داخل الملعب شيء آخر.
وتبقى زيارة “البشير” لدمشق خطوة معلنة لخطوات عديدة (مشت في دربها الخرطوم لتصحيح بعد الأخطاء وتدبير شؤونها بعيداً عن حلفاء لا وفاء لهم في المنطقة).