العدل أولاً
أصبح الحديث عن عدل الدولة يثير غضب النافذين الذين (تعايشوا) مع ظلم العباد.. ومن يطالب بالعدالة يتهم بسوء النية.. ويتم تصنيفه (كمعادٍ للدولة).. خسرت الإنقاذ “أمين بناني” حينما جهر علناً برفض الظلم.. وطردت “مكي بلايل” من الحزب لأنه قال عليكم بتقوى الله في الرعية وبسط السلام في المنطقتين.. وأبعدت قيادات مثل د.”التجاني عبد القادر حامد” ، واللواء “ود إبراهيم” لجهرهم بالرأي العام أمام المتنفذين المحيطين بالرئيس والصادين عنه أهل النصيحة.. والرأي.. على رؤوس المصلين شهد رئيس مجلس الوزراء “معتز موسى” (الجمعة) الماضية على ظلم حكومته لأهل السودان، وقال “معتز موسى” إن حكومته تدفع مبلغ (350) مليار جنيه يومياً لسكان ولاية الخرطوم دعماً لـ(43) ألف جوال من الدقيق من أجل (7) ملايين مواطن يقطنون ولاية الخرطوم، ولم يحدثنا “معتز موسى” عن مصير بقية أهل السودان البالغ عددهم نحو (20) مليون نسمة.. نصيبهم من دعم الخبز أقل من (100) مليار جنيه في اليوم.. هذا عدل حكومة “معتز موسى” التي تحدثنا عن سعر كيلو الباسطة (170) جنيهاً في الخرطوم.. والدقيق المدعوم من أجل مواطني ولاية الخرطوم يذهب تجارياً إلى الولايات البعيدة، ويعترف والي (الفولة الحميرة) “عجب الفيا” وهو رجل لا تنقضي عجائبه بأن (6) رغيفات في ولايته يتم بيعهن بمبلغ (10) جنيهات، وفي الجنينة سعر الرغيفة (2) جنيه.. والناس (حامدين) وشاكرين وصابرين.. والدولة تظلم مزارعي الذرة قوت أغلبية أهل السودان، حينما تفرض ضرائبها (وأتواتها) ، ويدفع المزارعون زكاةً ورسوماً ودعم حرب ودعم سلام ودعم جريح ودعم نهضة.. ودعم ولاية ودعم محلية، ولا ينال من الحكومة إلا التجاهل والإهمال وحتى الحماية التي يستحقها ، ودون ذلك صرخة مزارعي هبيلا وبأعلى أصواتهم يصرخون (يا عمر أمنا من خوف).
الحكومة تخاف من غضب الشعب الذي قد يثور ويتظاهر لو رفعت الدعم عن دقيق القمح.. ولا تخاف من رب العباد الذي يؤجل العقاب ليوم آت يرونه بعيداً ونراه قريباً.. وهي تتمادى في ظلم الأغلبية وتجير المال لسكان المدن على حساب الريف، لماذا تباع قطعة الخبز بجنيه في الخرطوم وبجنيهين في القطينة؟ ، ولماذا تدفع حكومة “معتز موسى” الأموال الطائلة دعماً لدقيق مواطني الخرطوم ولا تدفع دعماً للذرة في القضارف، وشنقل طوباية، السؤال إلى متى تظل حكومتنا (الرشيقة) تفكر بعقلية تاجر القطاعي؟ كم يبلغ سعر الرغيفة الواحدة إذا تم رفع الدعم نهائياً عن الخبز وتوجيه الـ(350) مليار يومياً إلى دعم لزيادة إنتاج القمح نفسه بتوفير الطاقة وزراعة الأرض الممتدة من غرب أم درمان حتى وادي هور بأقاصي شمال دارفور بالقمح.. وتشيد الطرق لنقل الإنتاج؟، إن دولة مستهلكة لن تنهض.. والأمم تصقلها المصاعب والمحن.. وتتعلم الشعوب من تجاربها.. فمتى تتعلم حكومتنا؟ ومتى تعدل بين رعيتها ولا تخاف إلا الله.. الدولة كيان معنوي لا تحشر يوم القيامة في النار مع الكفار، ولكن قادة الدولة لا يسألون يوم الحشر عن صلاتهم وصومهم وزكاتهم وحجهم فقط مثل سائر الناس، ولكنهم يسألون عن الجوعى والمرضى والواقفين في الصفوف وهل بسطوا العدل فعلاً بين الرعية أم نشروا الظلم حيفاً؟