إرهاصات التسوية (2)
يوم (الأحد) كتبنا في هذه الزاوية عن إرهاصات التسوية القادمة وجهود الوسطاء وشركاء مبادرات السلام على صعيد دارفور والمنطقتين و(تنبأنا) بحدوث اختراق في الجدار المسدود بين الحكومة وفرقائها من حركات دارفور وحركات التمرد في المنطقتين، ولم تمض ساعات على ما ذهبنا إليه حتى تكشّف جزء مما كان مسكوتاً عنه بإعلان حركة العدل والمساواة ورئيس البعثة المشتركة (يوناميد) “جيري ماما بولو” عن توقيع اتفاق في العاصمة الألمانية برلين غداً (الخميس) على مسودة لما يعرف باتفاق ما قبل التفاوض (وهو بدعة جديدة لاتفاق إعلان المبادئ أو خارطة الطريق).. هذا إن لم يتدخل شيطان من شياطين الحرب ويحول دون التوقيع على ورقة تحدد القضايا المختلف حولها.. والمرجعيات التي تسند التفاوض.. وتنهض على أساسه.. وقد تطاولت جلسات التفاوض بين وفود الحكومة وحركتي التمرد الرئيستين (مناوي وجبريل) والنتيجة صفر كبير حتى تسرب اليأس للأرواح جراء ذلك التطاول.
وظن بعض المراقبين أن التسوية مع الفصيلين شبه مستحيلة.. إلا أن الضغوط التي تعرضت لها الأطراف حملتها على تبديل مواقفها وتغيير تكتيكاتها.. فالحركات المسلحة التي كانت ترفض الدوحة كوثيقة وترفض الذهاب للدوحة كمكان للتفاوض تبدلت قناعاتها وأذعنت للأمر الواقع وقبلت بوثيقة الدوحة ضمن مرجعيات أخرى للتفاوض.. والحكومة تزحزحت مواقفها السابقة، وكان د.”أمين حسن عمر” يقول إن الدوحة هي الخلاص، من يرغب في السلام عليه التوقيع على اتفاق الدوحة أولاً ثم البحث له عن مكانٍ إن وجد في خارطة الوطن لتوظيفه.. والآن الحكومة تقر بأن الدوحة قابلة للتعديل والإضافة.
وتكتمت الأطراف على ما يتم التوقيع عليه في برلين غداً إلا أن الظاهر مما بداخل الكوب.. يكفي لرؤية ما يحدث في مقبل الأيام وحركات التمرد الدارفورية (مناوي وجبريل) ومجموعة الداعمين من قوى المعارضة ضاقت أمامهم خيارات الكفاح المسلح كما يزعمون.. وعزّ الصديق الذي يأوى المقاتلين ويقدم السند السياسي والدعم اللوجستي.. وخسرت الحركتان معارك ما قبل مغيب الشمس، وما عاد المجتمع الدارفوري يدعم التمرد بعد أن حصد ثمار السلام في السنوات الماضية.. وتخلت تشاد وجوبا وليبيا عن تلك الحركات.. والولايات المتحدة تخطط للتغيير الناعم والهبوط الاضطراري من خلال المشاركة في الانتخابات القادمة، والحكومة من جانبها أو المؤتمر الوطني بصفة خاصة أدرك أهمية نقل قطع الشطرنج إلى الداخل.. وتبديل الصراع بالتنافس الحر.. وهو أكثر الأحزاب تنظيماً ويستطيع الحصول على (50%) من مقاعد البرلمان والفوز برئاسة الجمهورية، فلماذا يرهق نفسه بالحروب والصراعات.
اتفاق برلين الذي يوقع غداً هو ثمرة لجهود صامتة قادها الفريق “صلاح قوش” منذ إعادة تعيينه مديراً للجهاز.. وجهود لنائب رئيس الحزب “فيصل حسن إبراهيم”.. وثمرة لنشاط وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد”، وفي مطبخ السلام اتفاق وشيك مع الحركة الشعبية جناح “عبد العزيز الحلو” يطبخ أيضاً في صمت وبعيداً عن أضواء الإعلام.. وتلك الجهود وثمرات التسوية من شأنها إنقاذ البلاد مما هي فيه اليوم من ضنك في العيش وأزمات تأخذ برقاب بعضها.