أخبار

اليتيمة..!!

محمد ابراهيم

 

فنانون وروائيون وشعراء حيزت لهم القدرة على التلامس والإتصال والتجدد والتجديد مع تقادم الأزمان، وإستطاعوا أن يتركوا بصمتهم وسبيلهم إلى ذلك عمل فنى وحيد أفرغوا فيه مكنوناتهم الداخلية وسكبوا بين تفاصيله إكسير الخلود فلم تقو كثرة أعمال غيرهم على الإطاحة به من أفئدة الناس، ولم يستطيعوا أن يشطبوه من ذواكرهم..عمل فني وحيد وضع فيه كثير من المبدعين بإختلاف الزمان والمكان ذاكرتهم وفتوتهم الإبداعية وأزاحوا لأنفسهم موطئاً بين العظماء.
يحفل التاريخ قديمه وحديثه بسير ومخطوطات إبداعات أولئك المبدعين..وسارت بقدراتها الفائقة أجيال وراء أخرى.
من أشهر الأعمال الأدبية التى إحتفت بها ذاكرة الأدب العالمية رواية (ذهب مع الريح)، لكاتبتها الأمريكية مارغريت ميتشيل، والتي لم يعرف لها عملاً أدبياً سواها، وبرغم ذلك حملت الرواية التى تحوى داخلها المقولة الشهيرة للبطلة سكارليت أوهار (غداً يوم آخر) حملت الرواية مؤلفتها إلى الخلود جنباً إلى جنب مع كبار الكتاب العالميين. وتتحدث الرواية بشكل عام عن حرب شمال أمريكا مع جنوبها , أي صراع الكونفدراليين مع اليانكيين، كما كان حين ذلك , وفي وسط هذه القصة في أعوام 1861 وبعد ذلك , كان هناك صراع حب البطلة سكارليت أوهار مع حبيبها أشلي , وفي وسط صراع هذا الحب , يدخل هناك الكابتن ريت بتلر , الذي كان يبيع للكنفدراليين الغذاء والمعدات … ألخ , وتدخل في حبه بطريقة غير مباشرة سكارليت , ومن هنا يبدأ الصراع بعد نهاية الحرب .
ويبدو الأدب العربى هو الآخر غير منفك لدى كثير من مبدعيه عن تميمة العمل الواحد، ولعل من أورع القصائد التى أعلت ذكر شاعرها قصيدة (اليتيمة) للشاعر العربى القديم دوقلة المنبجي، والذي لا يعرف عن شاعرها سوى اسمه فقط، ونقلت تلك القصيدة اسم شاعرها إلى عناوين ودواوين الأدب العربي، وصار العشاق يجدون فى أبياتها الشهيرة سلوى عن هجر الأحباب، وبات الكثيرون يستهدون بأبياتها للوصف حين يعجزهم البيان، ولا تزال دقة التوصيف الواردة بها تربك العاديين والمبدعين على السواء:

فالوَجْهُ مِثْلُ الصُّبْحِ مُبْيَضٌّ
والشَّعْرُ مِثْلُ الليلِ مُسْوَدُّ
ضِدَّانِ لمّا استَجْمَعا حَسُنا
والضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ
والقصيدة بمسماها (اليتيمة) جاءت يتيمة من نواحٍ عدة ، فهي يتيمة الأب إذ أن شاعرها لم يُعرف من أثره غيرها،
وهي كذلك يتيمة من حيث معانيها ووصفها فهى إبتدعت صنوفاً من التعبير والوصف لم تكن مألوفة من قبل وإن أقتربت من الوصف المادي الذي خلا من وصف معاناة العاشق، وربما يدل على وصف الشاعر المثالي على أنه لم ير محبوبته التى كتب فيها القصيدة قط.
أما قصيدة (يا ليل الصب متى غده) لشاعرها الأندلسي الحصري القيرواني ورغماً عن إكثاره كتابة الشعر وتعيشه بمدائح الملكوك زهاء نصف قرن، وكتابته في مختلف أغراض الشعر حتى ترك أربعة دواوين، بالرغم من ذلك كله بقيت قصيدة (ياليل الصب) هي الاسم الثاني لأبي الحسن الحصري، وهي اللفتة السانحة خاصته
وشاعرها كان ضريراً من أهل القيروان، انتقل إلى الأندلس ومات في طنجة، حفظ القرآن بالروايات وتعلَّم العربية على شيوخ عصره.
اتصل ببعض الملوك ومدح المعتمد بن عباد بقصائد، وألَّف له كتاب المستحسن من الأشعار.
وقد ذاعت شهرته كشاعر فحل، شغل الناس بشعره، ولفت أنظار طلاب العلم فتجمعوا حوله، وتتلمذوا على يده ونشروا أدبه في الأندلس.
وقصيدته التى شدت بها صاحبة الصوت القادم من الفراديس الفالتة السيدة فيروز برع فى أغلب أبياتها ومنها:
يا ليل الصب متى غده ؟ أقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرقه أسف للبين يردده
فبكاه النجم ورق له مما يرعاه ويرصده
كلف بغزال ذي هيف خوف الواشين يشرده
نصبت عيناي له شركاً في النوم فعز تصيده
وكفى عجباً أني قنص للسرب سباني أغيده
وعارضه الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي الذائع الصيت بقصيدته المطولة(مضناك جفاه مرقده).
ولم يشذ المنتج الفنى السوداني عن مثيله العالمي فهو أتاح كثير من (اليتيمات) أن يسمون بذكر صاحبهن ويصعدن به إلى مرتبات الخلود وسرمدية البقاء..ولعل رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) كانت الأيقونة السحرية التى طارت بسيرة كاتبها إلى كل بقاع العالم، وغزت بنظرتها التجديدية عقول وقلوب الغرب، ورغم أن صالح كتب العديد من الرويات الأخرى إلا أن (موسم الهجرة إلى الشمال ) تعد لوحدها بمثابة فتحاً غير مسبوق للروائى السودانى فى دنيا الأدب العالمي، ما دعا الناقد المعروف صلاح فضل إلى إعتبار أن الطيب صالح هو “هدية السودان إلى العرب وإفريقيا والعالم”، وأعتبرت روايته من أجمل الروايات فى القرن العشرين.
وعلى مستوى الأغنية السودانية فإن البعض من الفنانين السودانيين آثر الإكتفاء بأغنية واحدة لاقت حظها وإنتشارها دون سواها، أشهرها أغنية عبد الحميد يوسف التى أبرز فيها عضلاته الأدائية وباتت تميمته الأثيرة..ومن لم يغنِ معه:
غضبك جميل زي بسمتك
نظرة عيونك في محنتي
سحر الجمال في بهجتك
خايف خدودك تنجرح من نظرتي
خايف فؤادي يدوب حنان من نظرتك
درتا وجفيت و جفاك فريد
يا آية المعنى الرفيع
كيف الخلاص يا دنيتي
ما بين صدودك و جبرتك

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية