ليس بالخبز يحيا الناس!!
كان مستغرباً لدى الكثير من الدول العربية ذلك المشهد الذي شهدته ولاية الخرطوم وبعض الولايات خلال الفترة الماضية، وصفوف طلب الخبز تمتد على مد البصر، لا لشيء إلا لأن الراية التي ظلت مرفوعة في كل لقاءات الجامعة العربية، أن السودان سلة غذاء العالم .. فكيف بدولة يرجى منها وشعبها يتزاحم على لقمة العيش، وبالفعل صار الخبز المصنوع من القمح لقمة العيش والغذاء الرئيسي لغالب أهل السودان، وذلك بعد أن فارقنا ما كنا ننتجه من (غلة) وهي الذرة بأنواعها في معظم ولايات السودان، واتجهنا إلى القمح الذي لا يكفي إنتاجه في بلادنا الاستهلاك المحلي فأصبحنا، أسيرين نطلب من الأمريكان والدول الأخرى فيأتي الغذاء عابراً للبحار أو القارات، فارقنا الكسرة المرصوصة على الصينية وذاك الصحن الممتلئ بالملاح في عمق الوسط، مشهد غذائي كان يتكرر كل يوم وفي أطراف ذات الصينية صحن سلطة خضراء وحمراء وآخر مليء بالأرز، ومن مفارقات تغيُّر نمط الحياة أن ما كنا معتادين عليه من غذاء صحي ووفير بات اليوم خارج حيز الوجود إلا في أحيان بسيطة، أصبحت الكسرة (بأم رقيقة) تحلية موائد المناسبات، وصارت من أصناف ما نشتهيه في منازلنا، غابت المديدة الفطيرة والعصيدة بملاح النعيمية إلا في المناسبات ولزوم الوجاهات، طمسنا معالم نظامنا الغذائي من روب وسمنة بلدية وغيرها من مستلزمات الطعام خلال السنوات الماضية، أصبحنا نلهث خلف الدليفري والطعام الجاهز.
أعدت شريط غذائنا الصحي الذي ضاع من بين أيدينا اليوم، وأنا أطالع بنهم ما أعدته مجلة (مذاق خاص)، وبالفعل هي كذلك ذات طعم مختلف وأنا أجد بين صفحاتها صنوف الطعام الذي غيبته عنا السنوات، وصنوف الطعام البلدي الذي بتنا نشتهيه لأنه غادرنا تحت ضغط الحداثة، (مذاق خاص) رسمت لنا صورة تلك الأيام فكانت الذرة والدخن سيدة الموائد، والتقلية وأم رقيقة والكمونية والشية المحمرة والعصيدة بلمسات الحداثة لتكون جاذبة لشباب اليوم، مشهد غذائي كامل الدسم يغنيك عن الذهاب لأي مواد كيميائية قد تضر بالصحة، هكذا قدمت لنا المجلة كنوزاً من الطعام بين أيدينا ولكننا نجهله، قدمته المجلة وكانت القيمة الغذائية والصحية هي العنوان البارز لأن المجلة وضعت بين يديها مشروعاً كبيراً لما يحويه من معانٍ وقيم وبرنامج اقتصادي وتعليمي وتنويري، برنامج هو برنامج دولة إذ كيف لها أن تنقل الناس إلى الاعتماد على الغذاء السوداني والافتخار به نكهة وشكلاً وقيمة غذائية.
ما حملته المجلة عبر أعدادها الأربعة التي أهداها إلي صاحب الامتياز رئيس مجلس إدارة المجلة الأستاذ “محمد الأمين” الشهير بـ(أبو العواتك)، هو برنامج بقامة منظمتي الصحة والأغذية العالميتين التي تبحث في غذاء وصحة الشعوب، ولأن ما تحمله المجلة من قيم ومعانٍ كبير فإن ذلك يحتاج لدعمها من الجهات ذات الصلة، شكراً لرئيس التحرير صاحب اللمسات الإخراجية الأستاذ “مصعب الصاوي” على هذا الفيض الدسم، شكراً خاصاً لمايسترو الصفحة الشيف “إسعاد العبيد”، لأنها أهدتنا أجمل هدية لأسرتي الصغيرة وقد احتفت بالإصدارات، وهذه دعوة لمن لم يطلع على المجلة، أن يبحث عنها وأنا متأكد من أنها ستكون أعظم هدية لربة المنزل .. والله المستعان.