المحكمة تصدر حكمها في قضية تسريب امتحان الكيمياء
السجن (14) سنة على المتهم الأول وسنة على الثاني
* المدان شذ وخالف قاعدة المعلمين الذين عرفوا بالأمانة والصدق
* المحكمة تلزم المدانين بدفع (15) مليار جنيه للشاكية
* ما حدث هذا العام كبوة يسألكم عنها الله يوم القيامة وكل أم وأب
الخرطوم ـ المهدي عبد الباري
حالة من الترقب والحذر والخوف سادت على أوجه المتابعين والمهتمين الذين توافدت حشودهم إلى قاعات المحكمة، قبل ساعات من صباح يوم أمس، لسماع القرار في حق موجه تربوي ومعلم بتهمة تسريب مادة امتحان الكيمياء هذا العام، سيطر الهدوء والسكون قبل نصف ساعة من دخول الحاضرين إلى القاعة، بما في ذلك هيئتا الاتهام والدفاع، ابتدأ القاضي بأخذ بيانات الاتهام والدفاع الماثلين أمامه، تابع القاضي بعد أخذ كل البيانات، تلاوته لوقائع الدعوى إلى أن وصل إلى مواد الإدانة التي أثبتها الاتهام في مواجهة المتهمين، وفي الأثناء، وعند إدانة الأول أجهشت والدته وشقيقاته وبنات أخوانه بالبكاء، بينما وقعت حالات من الإغماء بعد سماع القرار الذي نزل كالصاعقة على أسرته، فرغ القاضي من تلاوة قراره، وخرجت أفراد أسر المحكومين وهم يجهشون بالبكاء، بينما وقعت اشتباكات بين بعض أسر المتهمين المعترضين على القرار مع رجال الأمن وشرطة المحكمة، وقد تمكن رجال الأمن من السيطرة على الموقف وفض الاشتباك وبسط الأمن بالمحكمة.
الوقائع الجوهرية للدعوى للموجه التربوي
فرغت محكمة جرائم الفساد بالامتداد جنوب الخرطوم، برئاسة القاضي “الأصم الطاهر الأصم”، من تلاوة وقائع الدعوة الجوهرية في الاتهام التي تلخصت في أن المتهم الأول، تم تعيينه كبير مراقبين بالمركز موضوع البلاغ، من قبل وزارة التربية والتعليم، وقام باستلام الامتحانات وحفظها داخل المخازن من ضمن المراكز الأخرى، ويقوم باستخراج وفتح كل امتحان في موعده المحدد بوجود المراقبين، تعرفت المتهمة الثالثة على الأول عن طريق الرابعة اللتين شطب الاتهام في مواجهتهما، فيما طلبت منه الثالثة إحضار أوراق عمل لبناتها، وبالفعل حضر ومعه ابنة شقيقه وصديقه إلى منزلها وبحوزته الامتحان باعتبارها ورقة عمل إلى مجموعة من الطالبات الممتحنات، وقمن بحل الأسئلة بينما قامت إحداهن بتصويرها وإرسالها عبر الواتساب إلى عدد من العناوين إلى أن وصلت إلى المدان الثاني، الذي أرسلها في قروب معلمي الفيزياء، وجاء في حيثيات القرار: لقد تم اتهامك تحت المواد (55\89\177) الفقرة الثانية المتعلقة بخيانة الأمانة للموظف العام، كما ثبت للمحكمة أنك في يوم 27\3\2018م وعلى ضوء ما تقدم من الاتهام، تجد المحكمة أن المدان الأول وهو كبير مراقبين بالمركز موضع الجريمة، قد تم تعيينه من الوزارة في محلية كرري، وبذلك هو مؤتمن على الامتحانات، والتي تعتبر مالاً عاماً يجوز الانتفاع به بحسب نص المادة (177) من القانون التي عرفت المال، هو كل ما يمكن حيازته والانتفاع به ولا يخرج التعريف من قاموس اللغة العربية والفقهاء، ووجدت المحكمة أيضاً أن المتهم الأول الذي قام بحفظ الامتحان داخل الدولاب بالمخزن وأن المفتاح بحوزته، والدليل على ذلك كسر الدولاب لاستخراج امتحان مادة الرياضيات بعد المادة موضوع الدعوى، قدم الاتهام عدد من شهود الاتهام الذين أكدوا أن هذه الأوراق التي نشرت هي نفسها التي رصدتها هيئة الاتصالات والتي استعانت بها نيابة أمن الدولة في التوصل إلى المدانين، بينما أكدت الهيئة ذاتها أنها رصدت عدداً من الامتحانات المسربة وفق معلومة وردتها من وزارة التربية، إلا أنه لم تكن هنالك أي بلاغ محدد إلا بعد طلب النيابة بمتابعة مسربي الكيمياء فقط، كما أن هذه الأوراق هي التي أحضرها المتهم الأول قبل الامتحان بيوم إلى منزل المتهمة الثالثة، ولم يتضح للمحكمة إلى الآن الطريقة التي سرب بها الامتحان، وأن من قامت بالتصوير هي المدعوة (أ.ب)، وأن المدان الأول لم ينكر الاتهام ولم يبرر حضوره إلى منزل المتهمة الثالثة للمرة الثانية لاستلام الأوراق التي أحضرها، وتحذيره للطالبات من تصويرها، مما يؤكد حرصه عليها، الأمر الذي يؤكد ارتباطه بالجرم، وهو يعلم ذلك، مما أدى لتسبيب خسارة مالية قدرها (15) مليار جنيه، لذلك تعتبره المحكمة قد تصرف في الامتحان بإهمال فاحش وسوء قصد وفقاً للمادة (177) الفقرة الثانية المتعلقة بخيانة الأمانة، إضافة إلى المادة (55) من قانون السرية وأمن الدولة، كما يتضح أن الامتحانات من الأمور السرية التي تحصل عليها المتهم الأول من دون إذن، والمادة (89) من ذات القانون التي تنص على أن يمتنع عن الضرر للمصلحة العامة، وتأكد للمحكمة أن المتهم الأول قد تحصل على الامتحان وقام بكشفه وتسريبه للآخرين مسبباً ضرراً لبقية الطلاب الآخرين، وبسوء قصد بتسريب الامتحان قبل يوم من الموعد المحدد له، مسبباً خسائر مالية للدولة وتجده مداناً تحت المواد (177) الفقرة (55\89) من القانون.
ومن ناحية أخرى وجدت المحكمة أن المتهم الثاني الذي وجهت له المادة (19) من قانون جرائم المعلوماتية، التي تتعلق بكل ما ينشر عبر الوسائط وشبكة المعلوماتية، كما أنه اعترف بذلك بأنه أرسل الامتحان في قروب معلمي الفيزياء عبارة عن صورتين، وأن قوله في القروب متمنياً أن لا يكون هو الامتحان الأساسي لا يبرر فعلته، لذلك تجده المحكمة مداناً تحت المادة (19) من قانون المعلوماتية،
المدان الأول شذ وخالف القاعدة، وتلت المحكمة عقوبة إدانتها للمدان الأول، وقالت إن المدان شذ وخالف قاعدة المعلمين الذين عرفوا بالأمانة والصدق، كما أنه بهذه العملية قد ارتكب عدة جرائم، ولتكون العقوبة عظة وعبرة للآخرين توقع عليه المحكمة عقوبة وجوبية بالسجن (14) عاماً من تاريخ القبض والغرامة (10) آلاف جنيه، وفي حال عدم الدفع السجن (6) شهور، بينما أوقعت عقوبة السجن والغرامة الوجوبية على الثاني بالسجن سنة من تاريخ القرار ودفع غرامة (3) آلاف جنيه، وفي حال عدم الدفع السجن (3) شهور.
}المحكمة تلزم المدانين بدفع (15) مليار جنيه للشاكية
كما خلصت المحكمة إلى إلزام المدانين وجوباً بدفع مبلغ التكلفة المالية للجهة الشاكية عند إعادة الامتحان وهي وزارة التربية، التي بلغت (15) مليار جنيه يدفعها المدانون بالتضامن، كما أمرت برد الأجهزة التلفونات التي ضبطت بحوزة المدانين إليهم.
}القاضي: ما حدث هذا العام كبوة يسألكم الله عنها يوم القيامة
وقال القاضي بمحكمة الفساد “الأصم الطاهر الأصم” في توجيهه للنيابة حول الحادثة، وعاب عليها أنها أخفقت في إحضار بينات اتهام في مواجهة بعض المتهمين الأساسيين، وقال إنه تجدر الإشارة من خلال البينات المقدمة، إلى أن بعض الشهود قد اطلعوا على امتحانات أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وغيره، ويعتبر أمراً مؤسفاً ومحزناً يسألكم عنه الله يوم القيامة، فكل طالب ساهر وجاهد وثابر وتعب للحصول على الشهادة السودانية وكل أم وأب سهرا على أبنائهما واستقطعا من قوت يومهما لشراء المذكرات لهم تفاجأوا أن الامتحانات مكشوفة، وأضاف القاضي متمنياً أن تعود الامتحانات إلى عهدها الأول وما حدث الآن كبوة، ونتمنى أن لا يتكرر مرة أخرى.