“صلاح بن البادية” أكبر أحفاد الشيخ “أبو قرون” بعيداً عن الغناء قريباً من المسيد
وضع الخلافة الآن في المسيد.. كل خليفة يقوم بأعباء سجادة والده وهو الوضع الأمثل
بانتقال آخر أبناء الشيخ “أبو قرون” ختمت الخلافة المباشرة ولا مجال للمتاجرة بهذا الاسم العظيم وعلى الجميع الانتباه
في لقاء خاص ونادر وبوصفه أكبر أحفاد الشيخ “أبو قرون” يكون الحديث معه أثيراً وعميقاً بعمق أدوار هذا البيت الصوفي الكبير، وخاصة ما تضفيه خصاله الشخصية من صفاء وصراحة معلومة للكل، والأهم حكمة من تجارب الصلات الاجتماعية المتنوعة تنوع مساهمته الكبرى في المجتمع المدني السوداني.. لكنه لقاء من زاوية مختلفة في شؤون ودهاليز أكبر وأقدم مؤسسات المجتمع المدني السودانية وهو المسيد وقضاياه والأهم خلاصة الخبرة في كيفية تخطيه للصعاب مع احتياجات الأجيال المختلفة وامتحانات المسير في طريق القوم، ومعاً إلى هذه الإفادات المهمة مع الشيخ “صالح الجيلي أبو قرون” الشهير بـ”صلاح بن البادية”:
*حدثنا عن مسيد الشيخ “أبو قرون” البدايات والأدوار والخلفاء؟
نهض جدنا الشيخ “محمد أبو قرون” رضي الله عنه بأدواره الدعوية بداية في منطقة الغابة إلى الجنوب الشرقي من “أبو قرون”، ومن ثم انتقل إلى الموقع الحالي حوالي منتصف القرن قبل الماضي، وأسس المسيد الحالي على نار القرآن، وهو أول لبنة في هذا المكان بعد أن كان مكاناً غفراً يسرح فيه قطاع الطرق ومن ثم التف الناس حول المسيد لما وجدوه من علم وخلوة قرآن لتعليم أبنائهم ودعوة بمكارم الأخلاق ومع كل ذلك دعماً مجتمعياً بما يعرف اليوم بمنظمات العمل المدني والطوعي في كل ظروف حياتهم وتقلباتها سالباً أو إيجاباً فرحاً أو كرهاً وهي أدوار ظلت تنمو وتكبر بمرور الأيام، وكذلك المجتمع حول المسيد الذي صار قرية سُميت باسم المؤسس الشيخ “أبو قرون” لتطبق شهرتها الآفاق.
انتقل الشيخ “أبو قرون” رضي الله عنه حوالي ١٩٣٦ وتولى الخلافة من بعده أبناؤه الخليفة “أب شرا” ثم الخليفة “حسن” ثم والدي الخليفة “الجيلي” الذي خلفه بعد انتقاله آخر أبناء الشيخ “أبو قرون” الخليفة “عِوَض الجيد” والذي بانتقاله انتهت الخلافة المباشرة للشيخ “أبو قرون”.. فنحن بعد انتقال آخر أبناء “أبو قرون” لن نسمح باستغلال والمتاجرة بهذا الاسم الكبير، بادعاء خلافة باسمه لأنه هو لدينا محل القداسة وهو حق لأبنائه فقط، والذين انتقلوا جميعهم إلى الدار الآخرة عليهم رضوان الله أجمعين، أما الأحفاد فمتاح لهم كل في خلافة والده على سجادته، وهو نظام منيع يحفظ الاستقرار ويقي من الخلافات والمزالق وما أكثرها هذه الأيام.. وزي ما بقول أهلنا القوم (الفيهو ريحة بخور بتنشم).
*إذن من هو خليفة الشيخ “أبو قرون” الكبير الآن؟
كما أوضحت خلافة الشيخ “محمد أبو قرون” المباشرة قد ختمت بانتقال آخر أبنائه الخليفة الشيخ “عِوَض الجيد” رحمه الله، ولا مجال لأي حفيد للشيخ “أبو قرون” الادعاء أو طلب خلافة باسم الشيخ “أبو قرون” الكبير، لأنها ختمت بوفاة آخر أبنائه كما ذكرنا، وماهو معمول به داخل الأسرة الكبيرة أن يقوم الأبناء بأعباء الخلافة في سجادات آبائهم أبناء الشيخ “أبو قرون” فقط، وهو حق مكفول لهم ومعمول به وتراضى عليه الجميع، وأصبح إرثاً محترماً ويجب ألا يتم تجاوزه أو العبث به لأنه باب للفتنة، وهذا حديث يجب أن تعيه الآذان وينتبه له الجميع.. فهذه السجادات هي التي تنهض بأعبائها الدعوية ومتابعة رعاية المسيد. واحتفالات المواسم الراتبة كل في مكانه المحدد والمعروف.. كما هو الحال عندنا في سجادة الخليفة “الجيلي” حيث ظللنا ننهض بمسؤولية الاحتفال بكل المواسم المباركة والأعياد سنوياً منذ عقود ومشاركة السجادة في الأفراح والأتراح والمسؤوليات الاجتماعية والمناشط الثقافية والفكرية المتجددة.
*تشهد عدد من البيوتات الصوفية الكبرى خلافات في مسائل الخلافة برأيكم ماهي الطريقة المثلى لما يجب أن يكون عليه الأمر.. وماهو المعمول به في مسيد الشيخ “أبو قرون”؟
هذا صحيح.. هي من القضايا المرتبطة بالإنسان وآفات النفس وامتحانات الصدق سيرًا في الطريق.. فالإنسان هو الإنسان الذي قال الله سبحانه فيه (…وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً).
وبمرور الزمن تكبر الأسر وتتوسع البيوتات خاصة مع تطور وتعقد الحياة واحتياجاتها مع تطلعات الأبناء والأحفاد تنافساً تظهر الخلافات وما قصة “يوسف” عليه السلام، إلا خير دليل.. لكن لو اعتصم الناس بمقصد الأمر وهو الأخلاق ودين الأخلاق، والتزموا جانبه فسيكون التوفيق حليفهم مهما كان الأمر.. أما أن كان الأمر للدنيا والجاه فسيتنكب الإنسان الطريق ويخسر خسراناً مبيناً..
ونحن في سجادة الخليفة “الجيلي” لا نكره أحداً على شيء ولا نتدخل في ما لا يخصنا، إلا أننا أكثر حرصاً وتمسكاً بما يحفظ الاستقرار ويوحد الكلمة في مسيد الشيخ “أبو قرون” وتصويب طيش بعض الدعاوى المجافية للحكمة التي تطل برأسها من وقت لآخر وآخرها إدعاء خلافة باسم الشيخ “أبو قرون”.
*بحكم أنكم أكبر أحفاد المؤسسين لواحد من أكبر البيوتات الصوفية وشهدتم وخبرتم كل ما مرت وتمر به من قضايا، ماهي نصيحتك ورسالتك لمن يهمه الأمر؟
هي رسائل في عدة اتجاهات:
أولها لمؤسسات الدولة الراعية للنشاط الدعوي بالانتباه المبكر لمخططات من يعبث باستقرار البيوتات الدينية لأغراض دنيوية والتثبت في أي ادعاء لمشيخة أو خلافة أولا والرجوع لكبار أهل البيت مجتمعين، وليس غيرهم فهم أصحاب الحق غير المنازع، فلا تحول مرجعياتهم إلى كيانات أخرى خاصة في الأمور الحساسة.
ثانياً: للرأي العام وأهل الإعلام:
التحقق والتثبت من أي معلومات قبل النشر، والتحري عن كل مدعٍ، فهناك مثلاً من يستخدم اسم والدي (عبد القادر أبو قرون) تزويراً وبهتاناً ويصرح للصحف للإيحاء بأنه من أسرة الشيخ “أبو قرون” وينشر له مراراً بهذا (الاسم المزور) الذي هو في الحقيقة ليس حتى اسمه المثبت في وثائق الدولة وميلاده والذي هو “عبد القادر عبد الرحمن الدقناوي”.. فهو من حقه أن يقول ما يشاء باسمه الأصلي الذي لا يماثل اسم الوالد أو يشابهه.. كما أن الادعاء بأنه لقب يطلق على المكان الذي يسكنه لا يستقيم لأن المكان أصلاً على اسم جدنا الشيخ “أبو قرون” !! والغرض هنا واضح لكل ذي بصيرة.
ثالثاً: إلى أحفاد الشيخ “أبو قرون” رضي الله عنه، ومريديه المنتشرين بمختلف سجاداتهم، وأقول لهم إن اسم الشيخ “أبو قرون” اسم كبير وعظيم لدينا، فينبغي أن نحافظ على هذا الإرث بعدم إقحامه في تطلعات البعض الشخصية ورغباتهم المصلحية الدنيوية أو التحدث باسمه بادعاء خلافة أو غيره وهو أمر لن نجامل فيه أحدا مها كان.
*حدثنا عن أدوار والدكم الشيخ “عبد القادر أبو قرون” المشهور بالخليفة “الجيلي” في تطوير المسيد معنىً وعمرانا وهل ورثت المديح وجمال الصوت منه؟
هي بالفعل أدوار خالدة لامست القلوب وحياة الناس تحبيباً لهم لمنهج الذوق والعرفان وربطاً بمحبة سيد الخلق أجمعين صلى الله وبارك عليه ووالديه وآله.. نظماً ومدحاً حيث أهدى لأهل العرفان ديوانه في المديح النبوي (الدر الثمين في مدح خاتم المرسلين).. وتعتبر فترة خلافته للشيخ “أبو قرون” من أطول فترات الخلافة، وفيها أخذ المسيد شكله الحالي تسويراً وإعادة بناء القرآنية بالطوب، وإنشاء المضايف الأولى وتوسعة المسجد القديم، وتعمير التكية من جديد، وهي أدوار ممتدة في مجتمع أهل السودان الكبير، شكلت واقعه وتركت بصمتها على مختلف أجياله.. ولاشك أن ما لدينا هو من فيضهم وبركاتهم علينا، عليه رضوان الله.
*أدوار سجادة والدكم في ظل خلافة أخوكم الشيخ “النيل أبو قرون” أضحت لها أدوار عالمية في حركة الفكر والمدائح.. حدثنا عن ذلك؟
سجادة الخليفة “الجيلي أبو قرون” والتي يقوم بأعباء خلافتها أخي مولانا “النيل”، ظلت تقوم بمسؤولياتها الكاملة الموروثة من إقامة ليالي الاحتفالات الدينية الراتبة للمواسم، كالرجبية والمولد النبوي وليلة بدر الكبرى وليالي الأعياد وغيرها من الفعاليات، إضافة لليالي الأسبوعية والأذكار اليومية كالتوسل، بل وزادت من محيط تنوعها وخدماتها وطورت في المعاني والمباني.. وأعطى الإنتاج الفكري للشيخ “النيل أبو قرون” في التأليف الفكري والشعري، بُعداً جديداً مكنها من الانتقال للعالمية، فشهدنا تتابع الإنتاج العربي للمدائح النبوية من ديوان (بوارق الحُب) بعدد غير مسبوق، يمثل فتحاً للنصوص السودانية كأكبر اختراق يحدث لعدد (14) قصيدة أداها منشدون لهم وزن كالتونسي “أحمد جلمام”، والأردنية “كارولين ماضي”، بالإضافة إلى ترجمة ونشر أكثر من (5) مؤلفات الشيخ “النيل أبو قرون” إلى اللغة الانجليزية، باعتباره من أوائل الذين افترعوا الحفريات المعرفية في عالمنا وتحملوا بسببها الكثير من الابتلاءات وصبروا عليها حتى أصبحت اليوم واقعاً، كما يمثل اختيار مؤسسة (الأونيكس فاونديشن البريطانية) للشيخ “النيل أبو قرون” لتولي كرسي البحوث فيها حدثاً بارزاً ومشرفاً وبُعداً جديداً لهذه العالمية التي لها ما بعدها.. والحمد والشكر لله ورسوله.