أخبار

التسوُّل .. ثم ماذا بعد؟!

} وجه والي الخرطوم الدكتور “عبد الرحمن الخضر” بتخصيص قوة من الشرطة لمكافحة التسول بصورة دائمة والعمل على ترحيل المتسللين الأجانب إلى بلادهم بعد أن بلغ عدد المتسولين حسب الإحصائيات (2,326) متسولاً، ولعل الخطوة قد تبدو منطقية بعض الشيء، خاصة وأن ثلث المجموع من قوائم التسول في العاصمة من الأجانب الهاربين من بلادهم عن طريق التهريب غير المشروع، مما يعني أن الردع الأمني لا بد أن يكون على قدر القضية من خلال توجيه واضح وصريح لقوات الشرطة للقيام بواجبها، حتى نتمكن أولاً من إغلاق هذا الباب الذي فتح على مصراعيه وجلب للسودان أعداداً مهولة من الأطفال والشباب والنساء، مصطحبين معهم قضايا اجتماعية مختلفة تدور معظمها وتتبلور في الجريمة والاحتيال والاغتصاب وغيرها من الأزمات، بل لا أستبعد أن تكون فلولاً موجهة من قبل بعض الحركات لتنفيذ مخططات داخل الخرطوم.
} قضية التسول واحدة من أكبر المهددات الأمنية التي تتعرض لها البلاد رغم انشغالاتنا المختلفة بالسياسة وأطروحات وأزماتها التي لا تنتهي، إذ أن الانتشار السريع لهذه الأعداد الكبيرة في أرجاء العاصمة يبين أن هناك مخططاً إستراتيجياً مدروساً يستهدف السودان في شكله العام من خلال خلق صورة مشوهة ومشوشة، تبين أن الفقر قد أضحى السمة الأساسية للبلاد من خلال أسرة تتجول على مدار اليوم على أرصفة الشوارع طالبة للغذاء والماء وبعض الوريقات التي تعينها على استمرار الحياة، بالإضافة إلى الانهيار الثقافي والتعليمي، إذ أن التربية التي تحتضنها الأزقة (والخيران) تكرس إلي سياسة تستهدف الجيل القادم والمكون الأساسي لمستقبلهم الذي يبدو ضبابياً في ظل اللامبالاة التي نتعامل بها مع هذا الملف الخطير.
} في المغرب تمكنت الدراسات من وضع نقاط أعانت حكومتها على فتح مشاريع مختلفة استوعبت كل المتشردين والمتسولين وخلقت أرضية جديدة لبناء خارطة مستقبل تعينهم على الإصرار لإثبات الذات، فكانت النجاحات مبهرة في الحرف المختلفة والاستيعاب الكبير للمواد المدرسة والطموح الجديد لهذه الفئة التي كان يحتضنها الشارع، وعليه فإن التجارب تشير إلى إمكانية إغلاق الثغرات التي يمكن أن تكون بوابة لأزمات لا قبل لنا بها، وتزيد النيران التي باتت تلتهم في أجزاء وطننا ونحنا في هذه الغفوة.
} في اعتقادي أن وزارة الشؤون الاجتماعية من أهم الوزارات، ولكن حسب مفهوم الأغلبية فإنها وزارة هامشية للترضيات السياسية، وقد اتضح ذلك في كثير من الاختيارات التي تمت بالإضافة إلى شح الموارد المعروضة عليها، لذا فإن المشكلة ستتعمق وتتمدد، وحينها فلن يفيد حديث الوالي أو غيره من المسئولين.
} التسول ظاهرة خطيرة تحتاج إلى ورش عمل ومحاضرات وندوات جادة تعيننا على التخلص من هذه الظواهر التي داست على قيمنا وعاداتنا وكرست لمفاهيم خاطئة وظواهر خطيرة جعلت شبابنا يفقد القدره على العطاء، إذ أن التعاطي والمخدرات والبنزين الذي يعينهم على تحمل التغييرات المختلفة في الشارع يجعل منهم فئات فاقدة للحياة والإحساس بالمستقبل المجهول والتمعن في كتاب الله الذي نهى عن ظواهر كثيرة وعلى رأسها سؤال الناس.
} أتمنى أن لا يكون حديث الوالي قد انتهي بهذا التجمع والمقابلة التي تمت بينه ووزيرة الشؤون الاجتماعية، حتى تكون نقطة البداية الحقيقية في إحداث تغيير شامل وكاملة يعين على إحداث تعديلات كبيرة في الشارع السوداني وفي الخرطوم العاصمة التي أصبحت مشوهة بهذه النماذج للدرجة التي تشعرك بالغثيان.
} قال “بيتر روك” في كتابه (الحياة): (إن الشعور بالذل الذي يتعرض له بعض المكونات الخلقية يولد أحاسيس وضغائن تتشكل داخلياً وتنعكس سلباً على الواقع من حولهم، وحينها فإن النتائج بالتأكيد ستكون كارثية دون أن تضع في حسبانها أن هؤلاء مظلومون أو أولئك متهمون ومشاركون في القضية).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية