شهادتي لله

دربوهم أولاً .. على أدب المقابلة

من تجاربي الشخصية الكثيرة ، أتوقع وأتصور كيف تعاملت طبيبة ذلك المستشفى الخاص مع رئيس الوزراء السيد ” معتز موسى ” وأسرته ساعة لجوئه بابنه إلى قسم الطواريء بالمستشفى قبل أيام ، ما اضطره أن يقول لها بهدوئه المعهود: (إن لم يسعدك الحال .. فليسعدك المقال) .
غير أن حُسن المقال لم يسعدها حتى بعد انقضاء أمر تلك الحالة ، فقصدت وسائل التواصل الاجتماعي تحدث العالمين عن تعنيف لفظي واجهته من حرس رئيس الوزراء ، وذلك برفع أصبعه (من على البعد) عليها ، ثم روت للناس تفاصيل حالة مريضها الطفل الغرير البريء ، وهو ما تمنعه قوانين ولوائح المهنة في كل العالم !!
هددوها بإشارة من أصبع ، ولم يعتدوا عليها بالإساءة اللفظية كما يفعل زملاؤها وزميلاتها من منسوبي مدخل خدمة الطبابة ، في قروبات (الفيس) تجاه شخصي الضعيف وآخرين كباراً وصغاراً في بلدي العزيز ، كل يوم بإسفاف وابتذال وسقوط أخلاقي مريع ، ولم تساق الدكتورة المحترمة إلى المخافر وبيوت الأشباح بتهمة إساءة الأدب إلى (دولة رئيس الحكومة) ، كما يحدث في دول عربية وأفريقية شقيقة وصديقة قريبة وبعيدة !!
لكن الصدمة لها ولملتها من فئة المتعالين والمتعاليات على مجتمعاتهم في هذه المهنة ، العاجزين عن حُسن الأداء وحُسن الخطاب للمرضى ومرافقيهم ، كانت في توضيح رئيس الوزراء الذي اعتذر بأدب للطبيبة رغماً عن كل ما جرى ، متأسفاً لو أن أذًى معنوياً أصابها جراء سوء معاملتها له ولمرافقيه ، بل واتصل بمدير المستشفى طالباً إعادتها للعمل فوراً ، بعد أن رأت الإدارة من تلقاء تحرياتها حول الحادثة ، ودون علم رئيس الوزراء ، اتخاذ قرار بإيقاف منسوبتهم عن العمل .
لقد ظللنا نردد مراراً وتكراراً ، بأن سوء التعامل مع المرضى ومرافقيهم من قبل الكثير من الأطباء في مدخل الخدمة (ليس الأطباء وحدهم، فضباط الشرطة برتبة ملازم ، والدبلوماسيون بدرجة سكرتير ثالث وثانٍ ، وموظفو الخدمات في البنوك والجوازات والمطارات والحسابات ومكاتب الاستقبال) .. كل هؤلاء وغيرهم .. يحتاجون إلى دورات مكثفة في قواعد مخاطبة ومعاملة الجمهور ، كل فئة مهنية حسب واجباتها ومهامها الوظيفية .
ففي الوقت الذي يجيد فيه كبار الأطباء من اختصاصيين واستشاريين في الغالب الأعم فنون التعامل الرفيع مع مرضاهم ومن يرافقهم ، يشتبك عدد من أطباء (الامتياز) و(العموم) كل يوم مع مرافقي مريض، وقد يتطور سوء التفاهم إلى الاعتداء على الطبيب ، يحدث هذا في جميع مستشفيات السودان .
وبينما يقف إليك سعادة (العميد) أو (اللواء) أو (الفريق) شرطة ويستقبلك بكل أدب واحترام في أي مرفق عام ، قد يقابلك (ملازم) شرطة بجفاف وهو جالس على كرسيه واضعاً رجلاً على رجل ، كما حدث لنا نحن مجموعة من رؤساء التحرير ، قبل أشهر في قسم شرطة بحري الذي يديره وللمفارقة أحد أروع ضباط الشرطة ومن أكثرهم خلقاً وتهذيباً وهو برتبة (عقيد) .. سيادة العقيد ” مأمون محمد مصطفى” .. له التحية !!
إذن أُس المشكلة هي أن معظم هؤلاء الموظفين بالخدمة المدنية والعسكرية يقتحم الحياة العملية سواءً كان طبيباً أو محاسباً أو ضابطاً ، دون تهيئته نفسياً وتلقينه أهم قاعدة ينبغي أن يتعلمها وهي:(أنت هنا في خدمة الناس ، لست فوقهم ولا سيدهم ، فوطن نفسك على ذلك ، وعامل الناس بخلق حسن ) .

جمعة مباركة .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية