شهادتي لله

تحالف المطر والفشل .. !

غرقت الخرطوم تماماً .. أمس ، وما زالت أنحاء متفرقة منها تغرق ، ويعاني أهلها جراء آثار هذه الكارثة البيئية التي لم ينجُ منها أحد ، لا ثري .. ولا فقير ، لا حي شعبي .. ولا حي راقٍ ، كل الخرطوم سواء تحت ضربات المطر ، غرق شارع “عبيد ختم” ،وتعطلت الحركة فيه نهار أمس لساعات طويلة لانقطاع الكهرباء عن (الاستوبات) ، وغياب رجال شرطة المرور لفترة من الزمن ، ما أحدث ربكةً مروريةً شكلت مشهداً غاية في الهرج والمرج .. بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً .
غاص الأسفلت تحت الماء ، وتحولت شوارع “الطائف” و”الرياض” و”العمارات” و”غاردن سيتي” إلى مسطحات مائية ، لا فرق بينها وشوارع أطراف “أمبدة” و”الحاج يوسف” !!
انكشفت عورة الخرطوم تماماً ، وانفضح أمر مهندسيها ومخططيها العظام ، وسقطت بنيتها التحتية في أول امتحان تضعه الطبيعة لمواصفاتها ومقاييسها !
ليس هذا هو المزعج ، بل غياب الوزراء والمعتمدين ، ومهندسي وزارتي التخطيط العمراني .. والبنى التحتية ، وضباط الصحة ، وعمال الشؤون الهندسية والنظافة بالمحليات عن مواقع الحدث المأساوي ، فهم هناك قابعون في المكاتب ، أو ربما في بيوتهم لم يحضروا حتى للمكاتب ، حالهم حال آلاف تغيبوا عن العمل والدراسة يوم أمس بسبب الأمطار .
خرجت أمس من منزلي بمدينة الثورة .. عابراً محليات : كرري ، أم درمان ، بحري والخرطوم عبوراً بجسري شمبات والمك نمر ..وصولاً لمنطقة شرق الخرطوم ، فلم أصادف أي عامل، دعك من مهندس يشرف على تصريف المياه من الطرقات ، خاصة في شارع كبير ومتعدد المسارات مثل “عبيد ختم” ، لا أحد كان هناك .. وهو الطريق الذي يعبره صباحاً ومساءً رئيس الوزراء وعدد من كبار رجال الدولة ، وبالتأكيد لا أحد كان يحاول سحب المياه في شوارع أقل أهمية ومدنية في بقية المحليات النائية في نواحي “صالحة” و”الكلاكلات” و”سوبا غرب” .. و”شرق النيل” .. ومسرح زحام البشر والماء والطين في “سوق ليبيا” .. و”شعبي أم درمان” !
الخريف ليس جديداً على الخرطوم يا سادتي ، لكننا على الأقل .. كنا نتابع كفاح الوالي “مجذوب الخليفة” رحمه الله ، وكنا نرى معتمد العاصمة القومية الراحل مولانا اللواء “محمد عثمان محمد سعيد” يمشي بين الناس فقيراً وزاهداً ، وكنا نرى نائبه (رامبو) المقدام العميد “يوسف عبدالفتاح” يجوس في الشوارع ويزور المخابز عند الثالثة صباحاً .. رأيناه رأي العين ولم يحك لنا أحد !!
الآن .. تكالبت علينا الأمطار وتقاعس المسؤولين .. تحالفت علينا نوازل الطبيعة وعجز المسؤولين ، من وزارة المالية إلى بنك السودان المركزي إلى وزارة التجارة إلى حكومات الولايات .
كلهم تضامنوا علينا .. فكانت هذه المأساة .. !
ولا حول ولا قوة إلا بالله .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية