كالسحاب الذي يغيب طويلاً ثم يبكي كثيراً ليكفّر عن هجره للأرض.. يجتمع ويتساقط مطراً ندياً ثم يفترق ثم يجتمع، ثم يفترق ليجتمع كثيراً.. يبكي كثيراً.. يعبر عن اعتذاره بديمومة هطوله فتمتلئ الأرض وترقص السنابل طرباً بعد غيابه المحتوم.. هذا أنا يا صديقة الروح ورفيقة الدرب..
هكذا قال لي حين حزن..
كانت عيناه تضجان باللون الأحمر.. تستسلمان للأحمر بكل سهولة.. يغيب عنهما الأبيض فتغوصان في فوضى الأوردة.. يأخذ الدم نصيبه على أساس (لو بيت أبوك خرب شيل لك منو عود).. فتكملان مراسم الألم الظاهر روحاً وشكلاً..
ينام على ماء عينيه.. وهو القوي الذي لا يعرف الهزيمة.. والعنيد الذي لا يستسلم..
صحيح أن الحزن لا يستثني قلباً.. غير أنك لا تشبه الوجع البتة..
أنت الرجل الذي لا يُمل حديثه.. ولا يُكل أنسه..
ذات الرجل..
ها هو الآن بكامل وعيه وبطوعه واختياره.. يرتمي في جب حزنه حيث لا مجال للخروج ما لم تهب عزيمته وتستيقظ من نومها..
الرغبة في الحزن أحياناً تحول دون قدرة الآخرين على استخراجنا من جوف جبه..
هكذا قال..
أجبته.. لا.. بل الأدهى والأمر.. أن نظن أنه من المستحيل على أحدهم ذلك..
أن تكسر مجداف قلب استمر صاحبه في مقاومة المد والجزر.. والرياح الهوجاء.. والأمواج المتلاطمة في كل اتجاه.. قلب كهذا.. تكسر مجدافه جملة واحدة: (الخريف مرات بجافي)..
أجل أعلم ذلك تماماً.. أعلم أن الخريف قد يتأخر علينا كثيراً.. غير أنه يأتي بشوق لا تستطيع احتماله قدرة الأرض..
فلماذا تجافي أنت رغم اتساع هذا الفراغ الذي يفصلنا..
والخريف يا سيدي معلوم الميقات فمتى سيقترن سحابك معلناً عن لقاء قريب؟؟
ومتى.. ومتى.. ومتى؟؟
} خلف نافذة مغلقة
الخريف مرات بجافي
الأراضي الخضرا تنشف…
وينتشر لون الفيافي
وإنت يا الفي الروح حضورك
ما بتجيد وصفو القوافي
كل ما النار تصلي قلبي
أعرف إنك كنت مافي
يا عشق روحي الخرافي