مطرة “جماع” !!
في كل عام يفيض القاش ويموت الناس.. وتغرق كسلا في مياه الأمطار.. وما بين ضفاف النهر المجنون.. وخيران وأودية المياه المتدفقة من جبل مكرام، تتمدد أحزان المدينة التي تعطش في الصيف، وتغرق في الخريف.. ينتظر مزارعو دلتا القاش فيضان النهر باللهفة والشوق، ويخاف سكان الضفاف في مدينة كسلا من ثورات النهر ليلاً.. وتساقط الأمطار في أغسطس.. وفي كل عام يسقط الضحايا وتبتل الأرض اليابسة فيخضر الزرع وتنبت المزارع البصل والثوم.. وفي خريف هذا العام قررت السماء أن ترسل ماءها لجمهورية الحب وتهدم بيت “الحلنقي”.. وتتركه يغرد مع “صالح الضي”: بكيت العمر من قبلك.. وترقص كلماته مع “صلاح مصطفى”: أنت ليه دائماً حزين.. ومع ساعة الغروب مشى “الحلنقي” يسأل عن بيته، والبسأل ما بتوه ، إلا أن فيضان الوادي قد جعل البيت حطاماً ، وجلس “الحلنقي” يعد نجوم الليل ويحن للسنين العدو.. ويقول للقاش: إنت عارف لما تفيض وين مياهك يودو.. ويرحل “الحلنقي” مع حمام الوادي والنسمة الفرايحية، وينتظر أن تشيد العذارى بمناديل مطرزة بالدموع والآهات قصر رئيس الجمهورية التي لا حدود لها ولا أمن يفتش ضمير منسوبيها ولا شرطة تراقب حركتها وسكونها.
في العام الماضي اجتاحت السيول مدينة كسلا .. وقدر الوالي “آدم جماع” بأن جوالات الذرة وجركانات الزيت.. وأكياس العدس لا تبني مدينةً ولا تجمع شتات القرويين في أكلا.. الواقعة شمال المدينة.. رفض أن تحمل السيارات من الخرطوم إلى كسلا البسكويت.. والطحنية.. ورفض استلام الخرق البالية .. والملابس المستعملة، وقال عبارة قارصة لمن جاء يحمل ملابس قديمة ظناً منه أن كسلا تلبس فضلات الآخرين: (لسنا مكباً للنفايات ولا حاجة للملابس حتى الجديدة) ، ومن الأسمنت والسيخ شيد والي كسلا ألف وخمسمائة منزل للمتضررين من السيول!! فأصبحت النقمة نعمة.. وطيب خواطر المتضررين بما يستحقون.
الآن تغرق كسلا مرة أخرى.. ويفشل المهندسون السودانيون في امتحانات كل المدن.. الخرطوم والنهود وكسلا.. وحتى الطويشة في شمال دارفور.. أين خريجو الهندسة في جامعة الخرطوم.. وأين أولاد “إبراهيم أحمد عمر” من وقود ثورة التعليم العالي والتخطيط الهندسي لا يقرأ انحدارات الأرض ولا اتجاهات مسار المياه.. ولا هذا ولا ذاك.. ويضطر الوالي “جماع” الذي يثبت في كل يوم أحقيته بامرأة كانت ملكاً للسلطان “عثمان كبر”. أهل شمال دارفور اختاروا “جماع” ممثلاً لهم في حصة الولاة في واحدة من الاختراقات الكبيرة، ومنذ وصوله كسلا.. أحبه كثير من الناس وأبغضه بعض من فقدوا مواقع كانت لهم.. وبدلت السلطة آخرين لا يكونون مثلهم.. سقطت الأمطار من رب العالمين رحمةً وليست عذاباً.. خيراً لتنبت الأرض.. ولكن سوء التخطيط الذي وجد “جماع” عليه مدينة كسلا.. قد أفسد زيارة د. “فيصل حسن إبراهيم”، الذي هبط المدينة ووجدها غارقةً في أمطار ليلية ما قبل وصوله..
انعقد مجلس الوزراء في عين العاصفة..ورفض الوالي مرة أخرى أن تبعث المنظمات (بفضلات) الثياب وبقايا الطعام.. وتعهد بإطعام مواطني ولايته المتأثرين مما في مخازن الولاية وخزائنها.. وطالب المتبرعين والمساندين بتقديم الدعم الذي يبني البيوت التي تهدمت.. ويساعد الجالسين في العراء، ولكن الطامعين والطامحين.. يعتبرون حتى سقوط المطر قد يفتح لهم أبواب العودة لكرسي الحكم.. ويبعد عنهم والياً أحبه أهل كسلا العاديين وتمدد بغض أصحاب الاحتياجات الخاصة التي لم يستطع الوالي تلبيتها!!