وقائع أول جراحة لزراعة أعصاب لطفل بالسودان
مفرح جداً أن تُجرى وتنجح أول جراحة من هذا النوع في أفريقيا جنوب الصحراء بالسودان، وإجراء جراحة معقدة من هذا النوع لطفل لم يتجاوز عمره (عاماً ونصف العام) أمر غاية في الحساسية والدقة، لكن أن يجريها طبيب من أبناء الوطن اكتسب من خلال عمله بالخارج خبرة وجدارة كبيرتين في جراحة التجميل والترميم والجراحات الدقيقة، وأن تُجرى في مستشفى حكومي عام هو مستشفى شرق النيل، فهذا مصدر فخر وأمر يستحق الاحتفاء.
(المجهر) زارت الطفل “مصطفى عمر آدم” وتحدثت إلى والديه، والطبيب “د. محمد الأمين سالم” وطاقمه الذي أجرى الجراحة، وخرجت بهذه المعلومات والتفاصيل:
{ خرج إلى الدنيا دون صراخ
كان “مصطفى” كغيره من الأطفال، يحاول الركض واللعب، لكن يده اليمنى تحت ضغط (الجبس) وقفت حائلاً بينه وبين ذلك، ولأنه دون شك يتماثل للشفاء باطراد بعد النجاح الكبير للجراحة، فإنه حتماً سيعود للعب بين أقرانه قريباً.. اللعب الذي افتقده منذ لحظات ولادته الأولى بسبب تلف وتهتك في أعصاب اليد اليمنى، وبات ممكناً الآن.
وفي السياق تقول والدته “غادة بشير” إنها ظلت دائماً تعاني في كل ولاداتها رغم أنها (تلد) ولادة طبيعية، وذلك لأن أطفالها يولدون في أحجام كبيرة تفوق الـ(4) كيلو لحظة الوضوع، وأضافت: لكن الذي حدث في ولادة أصغرهم “مصطفى” أن وزنه كان (4) كيلو ونصف الكيلو، ما سبب لي انخفاضاً في الضغط، وارتفاعاً في السكر فأضطر الأطباء إلى استخدام الطلق (الوجع) الاصطناعي، ورغم ذلك تعثر الأمر وتعقد أكثر عندما انقلب (الجنين) وأخرج رأسه ويده اليسرى، ولم يكن من خيار آخر سوى سحبه خارجاً، فأطلّ “مصطفى” على الدنيا فاقداً للأوكسجين ولونه أسود، ولم يصرخ صرخة الميلاد مثل الأطفال الآخرين، لكنه بحمد الله عاد يتنفس، وأشارت إلى أن ولادة “مصطفى” استغرقت أكثر من ساعة ونصف الساعة تعرضت خلالها لهتك في الرحم ونزيف، فتم إسعافها إلى مستشفى الأمل التخصصي، حيث اكتشف الأطباء أن ابنها يعاني مشكلة في يده.
{ رحلة البحث عن علاج
ظل والدا “مصطفى” يتابعان حالته مع عدد من الأطباء، حيث كان دائم الصراخ ولا يقدر على تحريك يسراه، وبعد أن أجريا له تخطيطاً لها بمستشفى (أحمد قاسم) ومن ثم تابعا مع اختصاصي العظام الشهير “د. سمير شاهين” كل مراحل العلاج الطبيعي التي اضطلع بها لستة أشهر متتالية، وحوّل “مصطفى” إلى مستشفى (شرق النيل) تحت إشراف الدكتور “محمد الأمين سالم” فقال لهما إنهما جاءا في الوقت المناسب وتم إجراء جراء زراعة الأعصاب لـ”مصطفى” بعد أن طمأنهما الجراح “محمد الأمين” بأن نسبة نجاحها تبلغ (99%) وأنها ليست خطيرة كما يتصوران.
من جهته قال والد الطفل السيد “عمر آدم ” لـ(المجهر) إنه وبعد أن كاد يفقد الأمل في إمكانية إجراء جراحة لابنه داخل السودان، بشّره “د. سمير شاهين” أنه يمكن إجراؤها على يدي الطبيب “محمد الأمين سالم” العائد من ألمانيا، فكانت أول جراحة من هذا النوع لزراعة أعصاب لطفل تُجرى في السودان ما زاد ثقتنا في كفاءة الطبيب السوداني. أما عن تكلفة العملية فأوضح أنها بلغت (13 مليون ونصف المليون جنيه سوداني بالقديم) وهي أقل بكثير من تكلفة السفر إلى الخارج، وكشف عن أنه حصل على دعم من وزارة المالية إدارة توطين العلاج بالداخل وديوان الزكاة.
{ المجهر المكبر
إلى ذلك أرجع الطبيب الذي أجرى الجراحة “د. محمد الأمين” نجاحها إلى توفيق الله أولاً، ثم إلى تعاون الزملاء وإدارة المستشفى وحرصهم الشديد على توفير كل ما يلزم من إمكانيات لإجرائها، وأضاف: الطبيب السوداني إذا تدرب جيداً في تخصصه يستطيع النجاح في كل العمليات التي يجريها. ودعا الأطباء إلى الحصول على دورات تدريبية خارج السودان حتى يؤهلوا أنفسهم جيداً ويرفعوا من كفاءتهم، وبالتالي يقللوا من احتمال حدوث الأخطاء الطبية خاصة في جراحة العظام.
وعن حالة الطفل “مصطفى” أكد “د. محمد الأمين” أنه كان محظوظاً كونه لم يبلغ (7 سنوات) حيث يصعب إجراء مثل هذه الجراحات لمن هم فوقها، وأضاف: كما أن المستشفى مجهز جيداً بالمعينات خاصة (المجهر المكبر) وقال إنه لم ير مثله إلا في ماليزيا حيث كان يتدرب ويعمل، وأن سعره هناك يصل إلى (120 ألف دولار) وهو ميكروسكوب متقدم يتيح رؤية الأجزاء الدقيقة في الأعصاب وخلاياها، وكان له أثر كبير في العبور بالجراحة إلى بر الأمان، واستطرد بأن حالة “مصطفى” تحدث في الغالب نتيجة للولادات المتعثرة، وأشار إلى ضعف الرعاية الأولية في السودان، ودعا إلى المتابعة الدقيقة لصحة الأم والحنين منذ لحظات الحمل الأولى إلى (الوضوع)، وأن بالإمكان تفادي حالات تلف الأعصاب منذ البداية، لكنها إذا ما حدثت فلابد أن تُعالج مبكراً، وبعد الـ(18) شهراً تصبح (خطاً أحمر).
وعدّ “د. محمد” الجراحة التي أجراها للطفل “مصطفى” من أدق العمليات التي أجراها خلال مسيرته المهنية، حيث استغرقت من 3-6 ساعات، بتركيز عالٍ جداً، وقد قام بأخذ أعصاب مغذية من الظهر والكتف لأنهما الأقرب لمرفق اليد، وقال إن الخيارات أمامهم لأخذ الأعصاب وزراعتها في يده كانت كثيرة.