أخبار

ما أشبه الليلة!!

في عام 1983م، أصدر الرئيس الأسبق “جعفر نميري” أشهر قرار بإغلاق أبواب اثنين وعشرين سفارة للسودان بالخارج، عملاً بنصيحة وتقارير ورؤية وضعها وزير مالية السودان حينذاك “بدر الدين سليمان” أمام القيادة السياسية بزعم ترشيد الإنفاق.. وتقليل الصرف.. وشد الأحزمة على البطون وتوفير النقد الأجنبي.. وفي ذلك المناخ صمت الجميع عن الجهر برأي آخر.. ولزم كل طائر عشه.. وقدر مصلحته الذاتية والحفاظ على وظيفته وصمت حتى المخلصين لنظام مايو.. بعد أن أبعدت (الثورة) أهل الرأي والمواقف.. وجاءت برجال شعارهم السمع والطاعة.. لم يدرس قرار إغلاق السفارات وتحديد سلبياته وإيجابياته، وفقد السودان مواقع إستراتيجية في بعض العواصم الغربية والأفريقية.. وتم التخلص من السيارات بأسعار زهيدة.. وانتشرت الرشاوى والسمسرة في الأثاث المكتبي.. ودفعت وزارة المالية أضعاف ما تدفعه من أموال التسيير لتعويض الموظفين المحليين والعمال إنهاء خدماتهم.. وعاد السفراء للخرطوم غانمين من البيع والشراء.. والخسارة الأفدح تمثلت في الصورة السالبة للبلاد وسمعته اقتصادياً.. فالدولة التي (تضطر) لتقليص وجودها الدبلوماسي في (22) دولة حتماً تمر بظروف استثنائية وأوضاع بالغة السوء.. ولن (يغامر) مستثمر بالذهاب إليها خوفاً على أمواله من الضياع.. في تلك الفترة الخانقة والقاتمة تم تنفيذ قرار تجفيف السفارات بحزم رغم خسائره الفادحة، وبعد قرابة الأربعين عاماً من ذلك التاريخ يصدر قرار مشابه من رئاسة الجمهورية بخفض البعثات الدبلوماسية في الخارج بذات الأسباب والدواعي، ومن وزير شبيه بـ”بدر الدين سليمان” في رؤيته لمعالجة الأزمة الاقتصادية.. وبتوصية من المالية اتخذ القصر مرة أخرى قراراً بتخفيض عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج، وإذا كان قرار الرئيس الأسبق “جعفر نميري” افتقر للمرونة والمراجعة فإن قرار الرئيس “البشير” اتسم بقدر من المرونة.. ويمكن مراجعته بما يحقق المصلحة العامة.. ويحفظ للسودان موارده المالية.. ووجوده في بلدان مهمة جداً.. وجاء في الأخبار هناك استثناءات مثل سفارة السودان في أوكرانيا.. والنمسا التي تعتبر العاصمة العالمية الثانية بعد جنيف، حيث تواجد المنظمات الدولية التي للارتباط ارتباط وثيق بها.. فكيف يتم تجفيف سفارة في دولة مهمة جداً في أوروبا مثل النمسا.. وهل قرار التجفيف تم اتخاذه بعد دراسة في الخارجية أم صدر من القصر دون مشورة الخارجية والأخذ برؤيتها؟ فالمصلحة العامة ينبغي أن تعلو على أية اعتبارات ظرفية أخرى.. وإذا ما نفذ قرار التجفيف فالبلاد حتماً ستخسر مواقع إستراتيجية في بعض العواصم وحينما تعود مرة أخرى بعد سنوات لن تجدها بسهولة ويسر.. وتضطر المالية لدفع ملايين الدولارات لسداد استحقاقات العمالة المحلية.. والتخلص من ممتلكات البلاد بأثمان بخسة.. فلماذا لا تتعلم دولتنا من تجاربها.. وتستفيد من دروس الأمس حتى نصبح مثل قوم البربون لا يتعلمون شيئاً ولا ينسون!! فما أشبه الليلة بالبارحة!!

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية