أخبار

الوطن المهدور

من أشعار قبيلة الدينكا التي صدر بها البروفيسور “فرانسيس دينق مجوك” رائعته (طائر الشؤم) أبيات تقول:
الشمس شوتنا حتى أحمرت أعيننا
في الجو تطير الطيارات
وعلى القضبان تسير قاطرات
ولذا تهتز الأرض طول الليل..
وحينما حط طائر الشؤم رحاله ببلدة ميلندقيت زعيم دينكا ميثانق بشمال بحر الغزال أدرك العرافون بخبرة السنين أن كارثة وشيكة تحيط بالبلدة وأهاليها.. والكارثة ماهي إلا هجمات عرب المراحيل على قطعان وارض الدينكا تحت ذريعة خوض الحرب للقضاء على متمردين على سلطة المركز التي يعتبرها عربان المراحيل تمثلهم ،وهم يرعون مصالحها ويحاربون نيابة عنها.. أو كما تقول فصول الرواية التي ترجمها للعربية الدكتور “عبد الله أحمد النعيم” أحد كبار الإخوان الجمهوريين باسمهم القديم في السودان القديم، وإذا كانت تقاليد الدينكا وعاداتهم (تتطير) من (البوم) ذلك الطائر ذو الرائحة النتنة والريش الأسود الممزوج باللون الأصفر، ويعتبرون صيحته في هجعة الليل نذير شؤم فإن ذلك الطائر لا يزال يصيح في بلدات جنوب السودان الذي شقى بالحرب وشقي بالسلام.. كما لم تشقَ دولة مثله في التاريخ الحديث، بسبب فشل أبنائها من النخب التي سرقت عرق البسطاء وخانت دماء الوحدويين والانفصاليين معاً، ولا تزال الخيانة مستمرة.. والفشل مقيم.. وقد أصبح الجنوب دولة يتيمة يرعاها جيرانها من الجنوب والشمال والشرق…. انتقصت سيادة الجنوب يوم أن خاض قادته حربهم القذرة.. وطارت بقضيتهم الطائرات ما بين لندن وأمريكا وأديس أبابا وكمبالا ونيروبي وأخيراً حطت في الخرطوم بعد عجز الرعاة.. والممولين والداعمين.. عن تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الذين فشلوا في إشباع رغباتهم في السلطة ومن أجل السلطة مات الآلاف سحلاً.. وتحت جنازير الدبابات.. وجوعاً في غابات نمولي.. وبين أودية أعالي النيل.. وفي أحشاء المدن الجائعة لرائحة الدم.. والجثث.. وبعد سنوات من القتال والحرب العبثية يعود قادة الجنوب معارضين وحكام بحثاً عن تقاسيم جديدة لجثة الوطن بعد ضغوط جعلت “سلفا كير” يجثو على ركبتيه.. وسجن دولي فرض على “رياك مشار” في دولة جنوب أفريقيا ولجوء قسري عاشه “فاقان أموم” ولو كان “أبيونق” بعد كل هذه الخيبات والفشل لم يتعلم قادة الجنوب من دروس الأيام.. وكان حرياً بهم العبرة والاعتبار، ولكن قادة الجنوب هان عليهم الوطن.. وتمادوا في العناد والخصومة غير المشجعة إلا على الخسائر والآلام.. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا تزال الخلافات عميقة حول قسمة كعكة السلطة.. وبقايا الوزارات.. ومقاعد البرلمان.. وما بين كمبالا والخرطوم وجوبا.. تطير الأوراق بمقترحات بعدد الوزارات.. وأنصبة كل فصيل من الغنائم.. ومقترحات بديلة.. والمأساة أن القادة الجنوبيين راضون قانعون بما يجري من مهزلة وفضيحة بحقهم.. والشعب الجنوبي حاسر الرأس يترقب بزوغ شمس يوم تطوي الصحائف.. ويرتفع “سلفاكير” و”رياك مشار” فوق شح النفس والطموح الشخصي.. وينظرون بعين القائد والسياسي والأب الروحي ملينذقيت لمأساة ذلك الوطن الذي نحبه ونشعر بكل جرح في جسده كجرح في جسدنا.. ولكن قادة الجنوب مثل قوم البوربون لا يتعلمون شيئاً ولا ينسون شيئاً.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية