مثقفون من جبال النوبة يدعون إلى استغلال الموروث الثقافي في عكس التنوع بالبلاد
الحكامة “الحازمية”: كنا بنحرش الناس للدواس لكن هسع عندي كلام كتير عن السلام يكشكش في راسي زي (الجراد في البخسة)
الخرطوم ـ سيف جامع
تزخر منطقة جبال النوبة بموروث ثقافي فني متنوع يتمثل في الرقصات الشعبية “الشبال والكمبلا والكرن”، بجانب وجود الحكامات اللاتي كان لهن دور كبير في إلهاب الحماسة أوقات الحرب والسلم. وفي ظل الصراع الذي تشهده المنطقة تنادى عدد من المثقفين بأن تتبنى الدولة سياسة التنوع الثقافي بالشراكة لتعزيز السلام والتعايش السلمي، وقد طرح عدد من أرواق العمل في هذا الخصوص بالملتقى الشبابي الأول للسلام الذي نظمته الفعاليات الشبابية الداعمة للسلام بولاية جنوب كردفان.
ويقول الدكتور “جمعة إبراهيم غلفان”: (تعدّ جنوب كردفان خاصة منطقة جبال النوبة من أكثر مناطق العالم تنوعاً إذا أخذنا معيار اللغة والهوية المنبثقة منها كمعيار للتنوع، أذ يقدر اللغويون عدد الإثنيات الموجودة في جبال النوبة بأكثر من خمسين إثنية تتحدث كل منها لغة الإثنيات، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا التصنيف لا يشمل اللغة العربية واللغات الوافدة من شتى بقاع السودان وأفريقيا والمتحدرين منها، وتشكل هذه اللغات ما يزيد عن 66% من هذه المجموعات، عاداتها وتقاليدها وقيمها المختلفة ورقصاتها).
وفى الملتقى كانت الحكامات حاضرات حيث تحدثت الحكامة “زهرة الضو حماد” المعروفة “بزهرة الحازمية” التي قالت إنها كانت “بتحرش” الرجال على “الكتال والدواس” لكن النتيجة كانت أن ترملت النساء وخلف عدد من الأيتام، وأضافت في كلمتها إنها الآن أيقنت أن السلام أهم من أي شيء، وتعهدت بأنها ستعمل على نشر السلام من خلال أشعارها، مشيرة إلى أن (لديها في رأسها كلام شعر وكلام كتير عن السلام ويكشكش في رأسها زي الجراد في البخسة). حديث الحكامة “زهرة” يؤكد أن السلام أصبح مطلباً شعبياً وينبغي على الدولة استثمار الموروث الثقافي في نشره. ملتقى الفعاليات الشبابية رغم كونه سياسياً إلا أن الجانب الثقافي طغى عليه، حيث ألقت الإعلامية “راوية دلمان” قصيدة عن الوضع في الجبال، صورت فيه جمال الطبيعة وبساطة الحياة قبل أن تتحول إلى حقول جرداء بسبب الحرب، القصيدة نالت إعجاب الحضور فصفقوا لها لما احتشدت به من كلمات مؤثرة.
وبالعودة للورقة التي قدمها د. “جمعة غلفان” التي يقول فيها: لو نظرنا للموروث الثقافي لجنوب كردفان وكافة المجموعات الثقافية السودانية الأخرى ولكل السودانيين وتمت ترقيته وصونه، فإن هذا الأمر يؤدي إلى إرضاء طموحات وتطلعات المجموعات الثقافية وإثراء الساحة الثقافية، بل سيؤدي إلى الإسهام في تشكيل الهوية السودانية على النحو الذي تم في جبال النوبة).
وفي ذات المنحى، يدعو مدير مركز السلام لتنمية الموارد البشرية المحاضر بجامعة السودان “سر الختم عبد الرحيم توت” إلى الإنتاج الفكري لتعزيز السلام ويضيف: (كلنا ندرك واقع المأساة الإنسانية في جنوب كردفان التي ظلت تعاني من ويلات الحرب والدمار من منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حتى اليوم، حيث الألم الموجع لم يهدأ، والصرخة المفجعة لم تسكن، والحسرة القاتلة لم تنحسر، والدمعة المنهمرة لم تتوقف.. وهكذا فكل صور المأساة باقية فاللوحة تزداد قتامة)، ويمضى قائلاً: (أمام هذه الحقيقة المرة لابد للشباب أن يقفوا ملياً ليتأملوا اللوحة جيداً في محاولة للتعرف على خيوط الحقيقة ومن ثم إمعان الفكر لرسم خارطة الطريق نحو بناء مستقبل أفضل عبر المساهمة بالإنتاج الفكري والبرامج التي تقود إلى بناء الإنسان هناك بوصفه رأس مال بشري قادر على التغيير).