صيد السبائك
(245) كيلوجراماً من الذهب دفعت الفريق أول “صلاح قوش” للإطلالة لأول مرة على وسائل الإعلام منذ تعيينه في المنصب الرفيع.. و”صلاح قوش” شحيح الظهور في المؤتمرات الصحافية، إلا عند الضرورة القصوى.. لم يطل “صلاح قوش” على وسائل الإعلام خلال مفاوضات فرقاء الجنوب، وهو مهندس الفكرة وراعي التفاوض المباشر بعد أن أسند إليه الرئيس “البشير” مهمة عجز عنها رؤساء دول وحكومات ومبعوثين أمميين ومبعوثين عن دول كبيرة.
لكن واقعة القبض على مهربي سبائك الذهب جعلت الفريق “قوش” يطل لمدة ساعة على الرأي العام من مقر هيئة الأمن الاقتصادي الذراع التي نفذت عملية المتابعة والرصد للمهربين.. ولم يشأ جهاز الأمن الكشف عن خيوط العملية.. وهل هي أول عملية تهريب للمجموعة التي تم القبض عليها أم سبقتها عمليات عديدة أفلت الجناة المخربون فيها من يد السلطة؟؟ عندما وجهت هذا السؤال للعميد “محجوب فضل الله” رئيس دائرة الجرائم الاقتصادية أقر بأن عمليات تهريب الذهب مستمرة لمدة طويلة وأهلكت اقتصاد البلاد ودفعته للحالة التي يعيشها حالياً.. وبعبارات صارمة جداً تكاد أن تخترق جدران القاعة الصغيرة بالطابق الثالث لمبنى الأمن الاقتصادي، قال “صلاح قوش” إن موارد السودان المتاحة الآن من ذهب وبترول وصادرات زراعية تكفي احتياجاته، لكنه بحزن عميق قال: (مواردنا منهوبة وغير مسيطر عليها)، وذهب إلى وجود شبكات منظمة تحاول توظيف موارد البلاد لمصالحها الخاصة!!
ووضع “صلاح قوش” عبئاً ثقيلاً على نفسه وعلى الجهاز الذي يقوده وهو يعترف بأن (60%) من إنتاج السودان من الصمغ العربي والسمسم يتم تهريبه للخارج وتصدره دول أخرى لم تنتجه!! وإذا كانت سبائك الذهب التي تم كشفها وإحباط تهريبها تمثل مشتروات بنك السودان من الذهب لمدة شهر كامل!! فإن بنك السودان مطالب بالبحث عن وسائل جذب جديدة وإغراءات للمعدنين لبيع إنتاجهم من الذهب.. فمهما بلغت قدرات وإمكانيات جهاز الأمن لن يستطيع وحده القضاء على ظاهرة تهريب ثروات البلاد في ظل قوانين غير رادعة.. وحدود مفتوحة على دول الجوار.. وعصابات عابرة للحدود تفعل أي شيء من أجل مصالحها الخاصة!!
لم يفتح الفريق “صلاح قوش” أبواب الأسئلة للصحافيين، بيد أنه قرأ في نظراتهم وكثافة حضورهم ما هو شاخص في الساحة عن قضايا الفساد والمفسدين لغيرهم والفاسدين في أنفسهم.. ويقول المدير العام لجهاز الأمن إن وحدة تحقيقات تم إنشاؤها لهذا الغرض.. وانتدبت لها خبرات من القضاء والنيابة والشرطة والمراجع العام لتتولى تدقيق المعلومات وتحميصها وتقديمها إلى النيابة في حالة وجود بيّنة تستدعي التحري ثم تقديم الأشخاص للمحاكمة.. وقال إن الجهاز دوره ينتهي بتقديم المستندات للنيابة التي تتولى القبض والتحري، وقال: (ذلك عين ما قمنا به في قضية رجل الأعمال والبرلماني، ولن نتدخل في مهام واختصاصات غيرنا).
كان يوماً مشهوداً في تاريخ بلادنا نجحت فيه قوات الأمن باسترداد ما قيمته (9) ملايين دولار كانت في طريقها لدولة خارجية.. شكراً لجهاز الأمن وضباطه وجنوده الذين سهروا لتنفيذ العملية، وبدا الرهق والتعب في ملامح وتقاطيع وجه الفريق “سليمان محمد أحمد” مدير هيئة الأمن الاقتصادي بائناً.. ولكن الارتياح وسط السودانيين عميق لإحباط عملية التهريب المقبوض فيها أربعة متهمين تلبساً، والسيارة الجديدة تقف أمام مبنى الأمن الاقتصادي يطوف حولها الصحافيون، يرمقونها بنظراتهم ويتفحصون أي شيء لمعرفة كيف يُهرّب الذهب!!