اليرموك (2)
{ الرسالة الإسرائيلية المباشرة في الهجوم على مصنع اليرموك، كشفت هشاشة علاقات السودان الخارجية من جهة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وظهرت حقيقة ظل القائمون على أمر العلاقات الخارجية (ينكرونها) لزمان طويل، وهي أن السودان في اللحظة الراهنة يقف وحده بلا صديق.. وتلك مأساة حقيقية، ونعنى بالصديق – بطبيعة الحال – الدول ذات التأثير وليس الشعوب المغيبة والمضطهدة في بلدانها والحائرة حيال ما يحدث لها.. وحتى دول الربيع العربي من مصر وتونس وليبيا اتسمت ردة فعلها بالسلبية.. لم تخرج تظاهرات في القاهرة والإسكندرية وأسيوط تندد بالعدوان على الأراضي السودانية ولم نشاهد “راشد الغنوشي” في الخرطوم يقف إلى جوار “البشير” الذي وقف مع “الغنوشي” أيام محنته، ومنحته جواز سفر ليتجول به في البلدان الغربية بعد أن نزعت عنه الحكومة التونسية وثيقة سفره، ولم تهدّد طرابلس بإحراق إسرائيل ورميها في البحر مثلما كان يهدّد “القذافي” بكل سوءاته وأخطائه، و(نامت) مشيخات الخليج وممالكه في (مخدات) البترول الناعم، ولم يتذكر أحدهم السودان حتى احتراماً للعمالة السودانية التي تغطي حاجة تلك الدول.
{ وقد شهدت كيف استقبل الحجاج السودانيون النبأ المفزع في الأراضي المقدسة بالقلق والدموع والعرب، والمسلمون عنهم غافلون.. وقد حضرت الأزمة السورية ثالث أيام التشريق، حينما تجمع السوريون قرب منطقة رمي الجمرات (وأخذوا) يهتفون ويجدون المؤازرة من الشعوب الأخرى بما في ذلك السودانيون الذين انشغلوا مع السوريين في محنتهم، ولم تحثهم أنفسهم بتنظيم وقفة احتجاجية للهجوم الإسرائيلي على اليرموك..
{ من الظلم والخطأ أن (نحمّل) السيد “علي كرتي” ووزارة الخارجية هذا الضعف والهشاشة في علاقاتنا الخارجية، و(ظهرنا) المكشوف؛ لأن السياسة الخارجية ما هي إلا انعكاس للسياسات الداخلية في البلاد، وقد تحسنت أوضاع الداخل عمّا قبل، وأوفى السودان باستحقاقات استفتاء الجنوب، ولكن حتى روسيا والصين الدولتين اللتين ساندتا السودان منذ القرار 1004 وحتى عهد قريب بدأتا الآن أبعد من السودان لأسباب تبدو غامضة ومجهولة، فكيف تجد دولة مثل تشاد الحماية من الغرب، وتغض الولايات المتحدة الأمريكية النظر عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الكاميرون وغينيا الاستوائية، ويستمر التعاون المصري الأمريكي رغم وصول الإسلاميين للسلطة في القاهرة، ولا يجد السودان دولة واحدة من الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن تقف إلى جواره، وتصد عنه هجمات إسرائيل؟!..
{ وهل بإمكانيات السودان وقدراته يستطيع التصدي لأية هجوم صاروخي أو بطيران على أرضه؟! الحقيقة المُرة والمؤسفة ولكنها الحقيقة نحن لا نستطيع حماية سماواتنا من اعتداءات الطيران الأمريكي والإسرائيلي مهما حاولنا وتحدثنا في أجهزة الإعلام.
ولكن حماية أجواء السودان في ظروفه الراهنة تبدأ بعلاقات مع دول لها نفوذ مالي مثل السعودية، ونفوذ سياسي مثل الصين وألمانيا، ولكن هل نستطيع دفع ثمن مثل هذه العلاقات؟.. وما الثمن؟!!