الديوان

تحسس أوصالك عندما ترتجف: العرفي.. علاقة زوجية على (وريقة) بشاهدين

رغم أنه يحمل اسم (عرفي)، إلاّ أن كثيرين يعتبرونه خارجاً عن العرف ومنافياً للقيم الدينية والتقاليد، بل حتى أن القانون لا يعتد به ولا يتعامل معه كونه غير مسجل بوثيقة رسمية (قسيمة)، ما تترتب عليه نتائج كارثية للزوجين وأطفالهما، فلا حقوق مدنية ولا اجتماعية، لذلك رأت (المجهر) أن تلامس هذه القضية بعد صعودها إلى السطح مرة أخرى من خلال التقرير التالي..
عمق المدينة وقاعها
تقول “ن.أ.م”: (جئت من الريف إلى العاصمة بغرض الدراسة، سحرتني المدينة، فانغمست في بهرجتها وزحمتها، لكنني لم أتوقع أبداً أن هذا سيقودني إلى الهاوية، والآن لا أملك إلاّ أن اعترف بأنني كنت مخطئة، إذا كان هذا الاعتراف المتأخر يفيدني بشيء).
تواصل “ن.أ.م” كنت أسكن في داخلية تابعة لتلك الجامعة، وكنت في حاجة ماسة للمال من أجل اللبس والأناقة حتى أبدو أكثر مدنية، وحينها تعرفت على أحد أبناء الأسر الثرية، وتواصلت معه وإلتقيته عدة مرات، وحين قال لي في إحداها أنه يحبني، لم أصدق! ولم أنم ليلتها، وبعد ذلك لم أتوانِ في الموافقة على شروطه كلها، لأنه كان يصرف عليَّ ويلبي كل ما أطلب، عشت معه قصة حب لأربعة أشهر في (بحبوحة ورغد)، ثم ما لبث أن تغير حتى صار لا يرد على هاتفي، ما أدخلني في أزمة نفسية وخشيت أن تكون إحدى بنات العاصمة الجميلات قد أخذته مني، لكنني صدفة وجدته بعد (شهر ونيف) من انقطاعه عني  في إحدى الحدائق العامة، وفاجئني قائلاً: أنا عايز أتزوجك عرفي، وبرر طلبه هذا بأنه أراد أن يتزوج بي رسمياً لدرجة أنه فاتح أهله بالموضوع، لكن قوبل طلبه بالرفض، وقال إنه يحبني ولا يستطيع العيش بدوني، ووعدني بأن هذا الزواج سيتحول إلى رسمي، وإنه سيتكفل بكل مصاريفي وسيؤجر لي شقة بإحدى أحياء العاصمة الراقية).
سكتت برهة ومسحت بعض الدموع المترقرقة من على عينيها، ثم واصلت: ( ترددت كثيراً في قبول هذا الطلب، ثم وافقت أمام إصراره وعناده، وبالفعل تم الزواج وكتبنا ورقة عرفية بحضور شاهدين من أصدقائه، مكثت معه عامان، ظل يزورني خلال العام الأول منهما بانتظام، وفي الثاني بدأت زيارته تقل، وأصبح عصبي المزاج، وكان يسمعني عبارات جارحة مثل: أنت ما عندك أهل، أو أنت أهلك ما عرفوا يربوك، ومع استمرار هذا الوضع قررنا الانفصال ودخلت في حالة نفسية سيئة، حيث شعرت بأنني فقدت كل شيء بعد أن طلقني وطردني من الشقة، فعدت إلى الداخلية خالية الوفاض، لم أستطع إكمال دراستي، ولا العودة إلى قريتي، فاخترت أن أعمل فتاة ليل، وضاع كل مستقبلي بسبب هذا الزواج العرفي.
حيرة قاتلة
“أحمد” شاب عشريني مخلص ووفي في علاقاته، لا يعرف الكذب، هكذا قال لنا، قبل أن يستطرد: (للأسف افتقد للتجارب العاطفية، واهتم بدراستي أكثر، لذلك عندما تعرفت على زميلة دراسة (سنير) تكبرني بعام واحد، سرعان ما جذبتني شخصيتها وجمالها الباهر، فبحت لها بحبي، وبعد عدة أشهر اقترحت عليّ أن نتزوج عرفياً على أن أتعهد بالزواج منها رسمياً بعد التخرج، وافقت بسرعة خاصة وأن أهلها يقيمون خارج السودان، يواصل “أحمد”: استمر زواجنا لـ(3) سنوات، كانت أجمل سنوات عمري، وبعد التخرج بقليل حبلت مني، وعندما اكتشفنا الأمر، هددت بأنها ستقوم بإجهاض الجنين، فهددتها بفضحها إن فعلت ذلك، وافقت على مضض، واستطرد “أحمد”: ذات يوم جئت إلى المنزل الذي كنا نلتقي فيه، ولم أجدها كانت قد غادرت وتركت لي رسالة تقول فيها إنها ملت الحياة معي وغادرت البلاد، ولا أعرف حتى الآن مصير ابني؟ أنا الآن في وضع لا أحسد عليه وكرهت أي بنت في الدنيا، لكن دعيني أن أوجه من خلالكم رسالة لكل شباب وشابات السودان أن لا يتابعوا نزواتهم وشهواتهم، وأن يفكروا ألف مرة قبل الأقدام على هكذا خطوة غير دقيقة ولا محسوبة النتائج.
دوافع الزواج العرفي
من جهته يقول الخبير الاجتماعي الأستاذ ” مختار السر”: إن من أهم أسباب التفكير في الزواج العرفي إلى جانب غلاء المهور والبطالة والفقر هو الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل ودور العلم والرحلات، إلى جانب تفكك الأسر وانعدام الرقابة، والتبرج في المدارس والجامعات وأماكن العمل، في ظل غياب الوعي الديني والجهل بأحكام الشرع، واضطراب الفتوى، كما أن تأخر سن الزواج بالنسبة للفتيات يجعلهن يقبلن مثل هذه العروض.
إلى ذلك يقول الأستاذ “عبد المنعم آدم محمد” المحامي: إن قانون الأحوال الشخصية لم يتناول هذا النوع من الزواج على الإطلاق بالتفصيل أو التعريض، لكنه تناول الشروط العامة للزواج التي جاءت بها النصوص الدينية والفقهية حسب المذاهب الأربعة، لا سيما المذهب الحنفي، وهذا المذهب يعمل بالراجح فيه عندما يغيب النص القانوني حسب قانون الأحوال الشخصية لسنة 1991م، وأورد الشروط العامة في الزواج والتي تتعارض مع الزواج العرفي كاتفاق تعاقدي بين الزوجين وهي (الولي، المهر والإشهار)، وهذه الأركان قد لا تتوفر في الزواج العرفي، ولكن بعض الفقهاء يرون أن للمرأة الأهلية الكاملة في التعاقد، ولها أن تبرم أي عقد خاص بها سواء أكان متعلقاً ببيع أو شراء أو أي تعامل آخر دون قيد أو شرط، ويقول “أبي حنيفة” إن عقد الزواج كسائر العقود، وللمرأة أن تبرم أي عقد بنفسها ومن ضمن هذه العقود هو عقد الزواج بالضرورة، وقانونياً أن من له أهلية التوكيل له أهلية مباشرة العقد بنفسه، وبالتالي بما أن المرأة دوماً هنالك من يمثلها في مجلس العقد فما هو المانع أن تمثل نفسها في هذا العقد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية