فاطمة السمحة.. حكاية امرأة تسكن وأسرتها في الشارع..ورزقها في (الكوشة)
يطردونها من (ضل العمارات)..وتبحث عن (مكان لتنصب فيه خيمتها)
المجهر: محمد إبراهيم الحاج
تتزاحم الهموم الثقيلة على دماغ فاطمة يوماً بعد الآخر…تتكاثف عليها صروف الدهر..كان آخره ماحدث لها أمس الأول حينما طردها صاحب العمارة..نعم طردها صاحب العمارة.. ولكن من أين طردها؟.. ففاطمة ليست مستأجرة لإحدى شقق العمارة..ولا هي تعمل (حارسة للعمارة)..ولا (خادمة في إحدى شققها)..ولكنها كانت تتخذ من ظل المبنى الخراساني الفخم بيتا تنصب أسفله (خيمتها) تضم عليها أطفالها الثلاثة وزوجها الرجل المسن، وتعمل هي في وظيفتها التي تأكل منها عيشاً حلالاً بعرق جبينها من التنقيب في (كوش العمارات والبيوت الدافئة) وتجميع بقايا (العيش الناشف) و(الطوب المكسر والسالم) الذي يتساقط من بقايا أعمال البناء.
فاطمة السمحة – والاسم أطلقه عليها أقاربها لسماحة أخلاقها وطيب معشرها – تبدأ صباحها باكراً تحمد الله على نعمة الصحة.. وكثير من أفضال المولى عليها .. لا تتذمر ولا تشكو .. ولكنها تغالب واقعها .. تطلع من (صبحاً باكر) تقصد (الكوش القريبة) علها تظفر ببقايا (الرغيف) لتجمعه في شوال كبير تضعه على ظهر عربة الكارو التي يجرها حمارها، وتذهب به إلى مزارع الأبقار القريبة لتبيعه لهم كـ(علف).. أو تجمع بقايا الطوب من (الكوشة) والشوارع ليكتمل ألفاً، وتمضي لتبيعه وتمضي بالجنيهات القليلة إلى الدكان لتشتري ما يقيم أود عائلتها..لا تحلم فاطمة بسيارات ولا هواتف ولا مناصب مرموقة..ولكنها تحلم بأنو (أولادها مايبيتو القوى) ولا (تجيهم مطرة بالليل أو النهار لأنو الراكوبة مابتنستر في الخريف).
(حمانا ضلها..قد يفوتها كلها)..
قدمت قصة فاطمة السمحة في بدايات هذا الشهر الكريم عبر برنامج مسارب الروح مع المذيعة سوزان سليمان عبر قناة الهلال ..ورغم كمية الوعود التي تلقتها بمساعدتها، إلا أن أغلبها لم يتحقق..أمس هاتفتها وهي تنتحب ..وبصوتها رعشة وخوف كبير على أولادها .. والسبب (صاحب العمارة الناصبين تحتها خيمتها طردها من ظل العمارة هي وأولادها وزوجها المسن) طردهم من ضل عمارتها كأنه لم يصل إلى أسماعه الأثر السوداني (حمانا ضلها..وفاتها كلها)، ولم يكن صاحب العمارة الذي طرد فاطمة وأولادها ومنعهم المكوث في ضل العمارة هو وحده..ولكن قبله سبقه آخرون من أبناء هذا البلد..الذين يطردون فاطمة وعائلتها..هم يتنافسون ربما في التنكيل بهذا السيدة الوحيدة، التي اضحت بمثابة (جرحنا الهايم) (طول النهار حايم) تبحث عن ملجأ أو كوشة، وصدرها الآن يغلي.. وكأن حميد رآها قبل رحيله ليصور حالها:
الفارة بأحجاره ..
البومة بأوكاره ..
الطير بعشوشة
وولد البلد داك تاه ضاقتبو أرض الله ..
غير مجرى أو كوشة ..
يفقش صديرك آه ..
والدنيا مفقوشة ..
من كشة .. لي كوشة .
*فاطمة الآن في الشارع..تبحث فقط عن ظل تنصب فيها راكوبتها لتقي بناتها (زكية ومزاهر) وولدها الصغير وزوجها المسن هجير الشمس..ولكن بعض (البنى آدميين) يستكثرون عليها الظل…تتنازع الآن بين هواجس توفير السكن لأسرتها القائمة عليها..ونذر الخريف ترعد كأنها تلقي في جوف هذه السيدة الساساقة مزيداً من رعب الأيام القادمات..
لا تشتكي فاطمة من كل ذلك..لا تتململ من نصيبها الذي صيرها امرأة ذات صبر وحكمة وتجلد..ولا تتأفف ولكنها تطلق بين الفينة والأخرى عبارات (الحمد لله..والشكر لله)..وهي متيقنة أن الله عز وجل لن يتركها وحدها.