مسألة مستعجلة

عندما تكون المعارضة بالحجة

نجل الدين ادم

لاحظت بشكل واضح أن كثيراً من الأحزاب والتنظيمات المعارضة للحكومة تعتمد مبدأ النقد وتوجيه الاتهام واللوم للحكومة في سياساتها في إدارة الدولة، وتحمّلها في ذلك مسؤولية أي إخفاق، دون أن تكون لهذه الأحزاب أية رؤى ومعالجات في القضايا الكلية التي تنتقدها.
لم أسمع بورقة معالجة اقتصادية أو سياسية مقنعة صادرة عن منظومة أو حزب معارض، ولم أسمع يوماً بوقوف المعارضة على تفاصيل السياسة التي تتبعها الحكومة في أي من المجالات، فقط تعتمد في حكمها على الكليات دون الخوض في التفاصيل، ومؤكد أن المعارضة لو كانت مطلعة وواعية بأية خطوة للحكومة بالتأكيد ستلفت نظرها- أي الحكومة- إلى أنه ليس بمقدورها تمرير أي سياسة تريدها كيف ما تشاء ومتى ما تشاء لأن هناك معارضة حقيقية لا يفوت عليها أو تخفى عليها خافية سياسية، ومن هنا يأتي التقويم والإصلاح وربما اعتراف الحكومة بالمعارضة ككائن سياسي حي له رؤاه وأفكاره الواقعية التي لا تعتمد على التحيز.
أشرت إلى هذه المقدمة الطويلة لأنني استمعت يوم أمس إلى رؤية نقدية منطقية من أحد التنظيمات المناهضة لكثير من سياسات الحكومة، وللأمانة كانت خالية من التحامل الأعمى، استمعت إلى السيد “إبراهيم أبو خليل” الناطق الرسمي باسم حزب التحرير – ولاية السودان، وهو يحدث الحضور في حفل الإفطار السنوي الذي أقامه الحزب يوم أمس، يحدثهم عن رؤية الحزب للمعالجات السياسية والاقتصادية، ويشير فيها كذلك إلى مواضع الاختلال والإخفاق مع مقترحات حلول منطقية لتلافي الآثار السالبة من السياسات، قدم خطاباً ضافياً يحمل ملمح التأصيل أثبت فيه أن حزبهم مطلع على أي شيء ومتابع لما يدور في الساحة السياسية، وما تتخذه الحكومة من سياسات.
تحدث الرجل بالأرقام والتفاصيل، تعمق فيما يمكن أن يكون خافياً على أي حزب سياسي آخر يوسم بنفسه بالمعارض، فليس أقل من أن يشير إلى حالة الحصار الدولي الاقتصادي المفروض على البلد والأهداف المرجوة منه لصالح الرأسمالية العالمية، وتبعات ذلك.
للحقيقة، دهشت لدقة المتابعة والمواكبة التي أبداها مسؤول الحزب بالسودان، تحدث عن الأزمات الاقتصادية وأسبابها والسبل المثلى لمعالجتها، لم يكتف كما تفعل بعض الأحزاب المعارضة دوماً بالانتقادات والهجوم المتكرر على الحكومة في سلوك تقليدي لا يقدم البلد بل يؤخرها، وما فلت نظري حديث السيد “أبو خليل” عن خطوة الحكومة المرتقبة لخصخصة الميناء الجنوبي ببورتسودان وهو ميناء الحاويات، ويعني ذلك باختصار فقدان السيطرة الكلية للحكومة على الميناء كما في الماضي، ونبه إلى أن الخصخصة تكون للمؤسسات الرابحة لتحريكها للإيجاب، لكن أن تحول الحكومة مؤسسة رابحة وناجحة فإن هذا هو الشيء الغريب!
ذكر “أبو خليل” ما قد يكون فائتاً على الكثير منا، بأن هذا الميناء يدخل لخزينة البلد سنوياً نحو (2) تريليون جنيه.. روشتة معالجات كاملة أعدها هذا الحزب الذي لا يجد منا في بعض الأحيان الاهتمام بأنشطته كما ينبغي وهذا اعتراف، ولكنه لم يتوقف بل ظل قريباً من الإعلام يرسل رسائله، ويستخدم الإعلام الحديث في المقابل التقليدي عبر النشرات التي يوزعها على نطاق واسع.
ما اطلعت عليه من رؤية لحزب التحرير ولاية السودان جدير بوضعه في مصاف المعارضة المسؤولة التي يتوجب أن تجد التقدير.. والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية