أخبار

عن سعد بحكي ليكم

محمد إبراهيم

* لم تفتر شفتاي بعد رحيل الشاعر والصحافي والأستاذ الإنسان “سعد الدين إبراهيم” من ترديد ما خطه الراحل “حميد” عن “مصطفى سيد أحمد”:
الدنيا عامرابك تظل
وإن كان رحيلك فرتقها
وأظن أن رحيله الفاجع قد (فرتق) فينا كثيراً من كريات الصبر، وجعلها نهباً للحزن، فالفقيد لم يكن مجرد شاعر مجيد يتحدث بلسان شعبه، أو كاتب وصحفي صقلته التجارب والأهوال، أو كاتب قصصي يغوص في عمق المجتمع ليعيش كل تفاصيله قبل أن ينقلها واقعاً يمشي على (حبر)، لقد كان الراحل إنساناً قبل كل تلك الصفات.. كانت تتجمع عند شخصيته الطيبة المرحة قدرات استثنائية لكل أجيال الصحفيين الشباب.
التقيته قبل رحيله بأسبوع واحد في زواج الصديق العزيز “طارق شريف” وجلست إليه فترة طويلة رغم ضيق الزمن والمساحات.. التقطنا الصور التذكارية وتناقشنا كثيراً، وداعبني بصوته الهاديء الوقور وهو يزجرني بحنية أبوية: (يا ود إنت ما عايز تعرس)؟، فرددت عليه بلطف ومهابة: (إنت شوف لي العروس وأنا طوالي برضى بيها)، ثم رسم على محياه النبيل بسمة تخرج من قلبه وتملأ المكان دفئاً أبوياً خالصاً.. وكان كل الخارجين من الصالة يتوقفون عنده للسلام وإلقاء التحية، فقد كان يتعامل مع الصغير والكبير والشخص المهم في منصبه وغير المهم بذات البسمة والإلفة والتواضع الجم.. كانت ببسمته وضاءة تختزن كل أشكال الإنسانية والتواضع والحب الكبير وكان لسانه طيباً لا يخرج إلا طيباً.
كان للراحل “سعد الدين” القدرة الكبيرة على إحداث تواصل بين كل الناس ومن مختلف مشاربهم ومنابعهم، لهذا لم يكن غريباً أن يكون ربما هو من القلائل داخل الوسط الصحافي والفني الذي يحظى باحترام وتقدير الجميع، حتى عندما ينتقد مذيعاً أو فناناً تجد بين سطوره نقد المحب وحرص الناصح دونما تشفٍ أو غل.
متفرقات
* قبيل رحيله بفترة قليلة ضمتني جلسة مع الراحل “محمود عبد العزيز” ورميت أمامه بغتة بسؤال عن أجمل الأعمال التي تغنى بها لمطربين آخرين، فرد “محمود” دون تردد (بعد إيه لـ”محمد وردي”)، ولكن يبدو أنني كنت منحازاً لأغنية (بعد الغياب) للفنان “صلاح مصطفى” التي كانت من أهم الأغنيات التي لفتتني إلى (الحوت) فنظر لي “محمود” طويلاً ورد بعفويته المعروفة (أنت بتحب دي وأنا بحب ديك..وما في مشكلة في الموضوع).
* لازلت ألح على الفنان صاحب الأداء السهل الممتنع “سامي المغربي” في أن يخرج من عزلته الإعلامية التي يفرضها على نفسه قبل سنوات طويلة…”سامي” فنان يكره الأضواء…لا يحب الظهور في الفضائيات ولا الصحف ولا الأماكن العامة، وأن كان حريصاً على القيام ببعض الواجبات الاجتماعية تجاه زملائه.. يكتفي “ابن المغربي” فقط بالحفلات الخاصة وإحياء حفلات الزواج والمناسبات الصغيرة، وهو بهذا يحكم على مشروعه الغنائي بأن يكون أسيراً لطبقة معينة.. وهو أمر مضر للغاية به وبكونه مطرباً ينبغي له أن يكون صاحب بصمة خاصة بعيداً عن بيوت الأعراس والحفلات الخاصة.
* ننتظر بشوق لافت عودة الفنان “أبو عركي البخيت” إلى مسارح الخرطوم…عودة “عركي” تعني عودة العافية للمشهد الغنائي.. وعودة أنصاف المواهب إلى أماكنهم… قادر بضوئه على إبهار الأعين التي ستتعامى وقتها عن أبصار بعض الكائنات الممتهنة للغناء والمسماة مجازاً (مطربين)..ننتظر أن يقوم “عركي” بدوره التاريخي في بعث الحياة مرة أخرى في جسد الغناء الذي فقد سطوته، وباتت الساحة مسرحاً كبيراً للتجريب غير المفيد…قلم التاريخ يدوِّن وأعينه مفتوحة للتوثيق والتدوين…تحرر يا “عركي” من قيودك وأحزانك بعد أن فقدت رفيقة دربك ونصفك الثاني فالجميع ينتظرك..ينتظرك لأنك قادر على العودة فقدر الكبار مناطحة المآسي الكبيرة..
*مسامرة أخيرة..
“سميرة دنيا” مطربة بمواصفات خاصة جداً…لديها إمكانية على صياغة مشروع فني متكامل..تملك الموهبة..ولكنها تفتقر للعزيمة..ليس لديها العزيمة إلى حد أنها تتكاسل عن إنتاج عمل فني واحد يظل عالقاً بالأذهان تنافس به الصورة الذهنية المعروفة عنها، ودورانها في فلك الراحل “عثمان حسين”..متى تدرك “دنيا” أنها يمكن أن تفعل شيئاً أفضل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية