ما بعد “غندور”
حقاً بات أصدقاء الغفلة هم غالب من في الساحة، ومثلما وقف البعض ساخراً متندراً على والي الخرطوم السابق “عبد الرحمن الخضر”، ورجحت مصالح البعض دونما كلمة حق واحدة في رجل دولة محترم ووالي إنسان أعطى ولم يستبق شيئا وكان ودودا جدا مع الإعلاميين والصحافيين ولكنهم يوم إقالته من منصبه المرموق تركه مثل السيف وحده.
أمس الأول غادر بروفيسور “إبراهيم غندور” موقعه الرفيع، وقبل أن يعلن القرار هرع أصدقاء الغفلة مجرد علمهم بأن الرجل بات من الماضي للأوراق وأجهزة الحاسوب يدبجون المقالات في أخطاء بروفيسور “غندور” ويبحثون عن مبررات للقيادة العليا التي اتخذت القرار والقيادة العليا ليست في حاجة لتبريراتهم بقدر حاجة هؤلاء الناقدين لقطعة قماش تغطي وجوههم وهم يشيحونها بعيدا عن الرجل المؤدب المهذب الإنسان المعتدل ورجل الدولة المحترم، نقول في حقه أكثر من ذلك بعد إعفائه، وقد انتقدت مراراً منهجه في إدارة ملف الخارجية وكثرة أسفاره وترحاله وفشله في الإمساك بولاية الخارجية على العمل الخارجي، في الوقت الذي كان الجميع يمدحونه ويصحبونه في أسفاره وحله وترحاله،
بل أصدقاء الغفلة هم من ضخموا دوره في رفع العقوبات الاقتصادية ووضعوا صورته كأيقونة في أكثر من عشرة قروبات في مجموعات التراسل الفوري، وزعم بعضهم أن “غندور” هو خليفتهم في كرسي “البشير” وتم تكوين لجنة هلامية لترشيح “غندور” لا وجود لها في أرض الواقع ولكنها في عالم هؤلاء المتخيل والافتراضي.
ويوم رحيل “غندور” عن كرسي الحكم أخذوا يبحثون عن من يكون الوزير القادم، وبدأت الترشيحات هنا وهناك وكل قوم بمرشحهم فرحين، لكن السؤال هل القضايا التي أثارها الوزير المقال لوحده يوم (الخميس) من المشكلات التي تستدعي (قومة النفس) ويصعب حلها؟ وهل مشكلة الخارجية في توفير المال وعلف التسمين؟ أم في السياسة المتضاربة وتعدد مراكز القوى؟
مسألة ضعف المخصصات وإمساك بنك السودان يده عن الوفاء بالالتزامات الدولة بما قطعته على نفسها في مشروع الموازنة العامة لا يمكن أن يرفض بنك السودان تنفيذ توجيهات الرئيس والنائب الأول مهما كانت المبررات أو قوة ونفوذ المحافظ المركزي الذي هو موظف دولة ينفذ التوجيهات وإلا وجد نفسه في وضع الطيران .
والوضع المزري في الخارجية يمكن حله في ساعة واحدة والمبلغ الذي يطالب به الوزير السابق يمكن أن يدفعه شخص من جيبه الخاص، وكان وزير الخارجية الأسبق “علي كرتي” يدفع من جيبه الخاص لحل بعض المشكلات التي تواجهه يومياً ومن بعد ذلك يتم استرداد المبالغ التي دفعت.
القضايا الكبيرة التي تواجه السودان أغفلها خطاب الوزير المقال أمام البرلمان وانكفئ علي القضايا الصغيرة من شاكلة نقص الأموال والجفاف المالي والجدب الدولاري، وكان منتظراً من الوزير “غندور” ماهو أكبر من نقص المال والثمرات، وغداً سيأتي وزير جديد سواء من بيت المؤتمر الوطني أو من طلقاء الخارجية، وفي ساعة واحدة يمكن أن تنساب الدولارات ويعود السفراء الذين قال “غندور” إنهم هنا في حالة احتجاج على ما يجري في دهاليز الوزارة.
لكن السؤال هل يعيد الرئيس تدوير القيادات ذات التجربة والخبرة ويستعين مثلاً “بمصطفى عثمان إسماعيل” الذي رحل من الوزارة وهو في قمة عطائه؟ أم يعين د. “مطرف صديق النميري” الخبير في التفاوض وصاحب التجربة في التسويات مع الآخرين والإداري الصارم؟ أم يعين المهندس “إبراهيم محمود حامد” الذي تم الإبقاء عليه في دكة البدلاء بعد خروجه من نيابة رئاسة الحزب بتقديرات سياسية؟ أم يعين الفريق أول مهندس “عماد عدوي” رئيس أركان الجيش السابق، وهو دبلوماسي ومفاوض وهو من أكثر القيادات السياسية والعسكرية انضباطاً وولاءً للرئيس؟ أم يتم ترفيع السفير “محي الدين سالم”؟ تلك هي بعض الأسماء التي يعتقد أن حظوظها في الارتقاء للمنصب الرفيع أقرب من غيرهم، بيد أن المشكلة ليست في الأسماء ولا في الوقود بقدر ما المشكلة في السياسات الكلية والتقلبات الظرفية بين مراكز المحاور الإقليمية وغياب الخارجية أداء دورها الذي يقوم به آخرون نيابة عنها.