الإمام الغائب
دوما يخسر الإمام الصادق المهدي في رهاناته السياسية وتقديراته في إبرام التحالفات وعقد الصفقات.. وآخر الرهانات الخاسرة للإمام الصادق ما أقبل عليه في الشهر الماضي وهو يعيد تجريب المجرب.. وفي غضبته الشديدة علي الحكومة وخوفه من الاعتقال بعد التظاهرات الأخيرة طار إلى باريس ووقَّع اتفاقا مع القوى التي تحمل السلاح، الصادق هو من جرَّب ذلك مراراً وتكراراً ولم يحصد منها غير الخسائر الفادحة، ولما أطلقت الحكومة سراح المعتقلين السياسيين جميعهم وجففت السجون من المحبوسين وتركت الإمام يواجه الواقع بعيداً عن قواعده وحزبه وميدانه، والصادق الآن فتحت في مواجهته بلاغات في النيابة بتهمة التحريض ضد البلاد وأمنها، وهي بلاغات يمكن شطبها في أي تطورات ساسية جديدة على الساحة الداخلية تنهي حالة الاحتقان الحالية
ولكن أكثر مايقلق الإمام الصادق المهدي مايشهده حزب الأمة من تطورات وهو مقبل على عقد مؤتمره العام، وانتخاب رئيس جديد للحزب أو تجديد ولاية جديدة لرئاسة الحزب، ووجود الإمام الصادق خارج البلاد من شأنه خدمة منافسيه أو الطامعين في موقع رئيس الحزب، خاصة وأن قيادات أخرى من خارج بيت المهدي يمكنها المنافسة لموقع رئيس الحزب، مثل الدكتور الشريف إبراهيم الأمين ومثل الفريق صديق محمد إسماعيل/ ومن داخل البيت المهدوي يفتح غياب الإمام الباب واسعاً للسيد مبارك الفاضل ولدكتور الصادق الهادي المهدي، ووجود مبارك والصادق الهادي داخل أحزاب أمة منشقة من الحزب الأصلي والكبير لايمنعهما من المنافسة على رئاسة الحزب، باعتبار أن الاحزاب المنشقة من الأصل وهي تحمل اسمه و رئيسه فيه جينات من آل المهدي تجعل هذه الأحزاب مجرد (جباريك) داخل المشروع الواحد
ومن هنا فإن الإمام الصادق في مأزق حقيقي، هل يعود أم يبقى في الخارج؟
إذا ماربط الأمام الصادق مصيره بعرمان وجبريل ومناوي وبقية القيادات المهاجرة، فإن المهدي كأنه ينتظر أن تمطر الخرطوم في فصل الشتاء، أو كالذي يخيل إليه أن الأماني الحالمة ليلاً قد تتحقق في الصباح الباكر دون أن يبذل جهداً ويكد ويعرق، والحركات المسلحة إذا ما وجدت فرصة لتسوية الخلافات بينها والحكومة فإنها ستفاوض من أجل تحقيق مكاسب لعضويتها، ولن تفاوض من أجل الصادق المهدي وحزب الأمة، وليت الصادق يتذكر تجربته الشخصية مع حاملي السلاح من جون قرنق في الجنوب إلى حركات دارفور المسلحة التي تعتبر الصادق نفسه جزءاً من القوى الاجتماعية التي تقاتلها وتسعى للقضاء عليها، ولن تنسي حركة مثل العدل والمساواة موقف الإمام الصادق بعد غزوة أم درمان وهو يرفض تلك المغامرة ويدينها علناً، واليوم يوقع معها اتفاقاً سياسياً فما الذي تغير: الإمام الصادق ؟ أم تغير شيء آخر ؟
ليت رئيس الجمهورية أصدر قراراً اليوم قبل الغد بحفظ البلاغ الذي دونته نيابة أمن الدولة في مواجهة الصادق المهدي الذي لن يكون في يوم من الأيام أكثر شراسة في معارضته للحكومة أكثر من قيادات حزب المؤتمر السوداني ولا من الحزب الشيوعي الذي يرفض الدخول في تفاوض مع الحكومة مهما قدمت من تنازلات
وشطب الحكومة البلاغات خطوة من شأنها خدمة الصادق أكثر من خدمة الحكومة لنفسها، فهل يفعلها الأخ الرئيس ويقتل كرت المعارضة والنضال بطريقة ناعمة؟.