دونما قصد ، أثيرت مرة أخرى جدلية الحلال والحرام في الفنون بحسب مقاطع فيديو تتكاثف هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي..*والفنون عامة تعمد فى كثير من الأحيان إلى ابتداع أنماط جديدة في الإبهار الصوتي والتعابير الجسدية التي قد تكون متوائمة مع الفعل الإبداعى، أو قد تكون تم إقحامها دونما مسوغات فنية تنقل المنتج الفني من حالته الساكنة إلى الأخرى المتحركة، وبذا وقع كثيرون فى لجة الخلط بين (الفن) بوصفه ناقلاً لأحاسيس الكثيرين ومعبِّراً حقيقياً عما يعتمل فى دواخلهم من مشاعر، و يمشي بين الناس على أقدام إبداعية، وبين اتخاذه كوسيلة للثراء السريع بعرض الفتنة الأنثوية ولفتات النساء وغنجهن على قارعة الفضائيات، أو بعرض اللحظات الحميمية على الشاشات لغرض (صيد) عقول وقلوب المراهقين، الذين يقضون رابعة نهارهم وأسمار ليلهم في التقليب عبر تلك الفضائيات عما يسد نهمهم العاطفي، أو يملأ أوقاتهم الممتلئة (فراغاً).
الفن بمختلف مكوناته وتصنيفاته واتجاهاته قد يكون أنساً بريئاً وحركة تلاحم عاطفي يتيح للبسطاء والكادحين وذوى العواطف المتأججة أو للموسرين والأغنياء على السواء، التعبير عن شحنات تعبيرية وروحانية تأخذ بتلابيب عواطفهم وتجعلهم يسمون بها في ملكوت من السعادة والتأثر.. ويتجول الفنان بوصفه الناقل الأمين كثيراً بين البشر ويحاورهم معهم كأصدقاء، ويرسم بينهم شحنات تلامس عصب ما يودون التعبير عنه، أو نقل تفاصيل محشورة في حياتهم اليومية، فيلتقط قفاز أن يأخذ على عاتقه التكفل بمعايشة تلك الملامح الإنسانية وإبرازها بما حواه من مقدرات على التصوير والإبداع وتجاوز المألوف ورؤية ما يعجز الشخص العادى عن رؤيته.
ولكل ذلك فإن الفنون بمختلف ضروبها وتشعباتها وتقبل العديدين للفنان كلّ على اختلاف مشربه واختلاف إدراكه واختلاف هدفه.لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تكون مدعاة لوصفه نشازاً ينشرالقبح وفساد الذوق، والدعاوى التي تطلق بين الفينة والأخرى بتحريم الفن لا يمكن دراستها بمعزل عن إلقاء الضوء على مكامن الخلل في فهم الفنون بصفة عامة، ومكامن الزلل في تطبيقها كل حسب منظوره وغايته، ودراسة المقاصد الأساسية لأي منتج فني (نحت، تمثيل، مسرح، غناء ، مديح، تشكيل وغيره) ووضعها تحت مجهر الدراسة والفحص الدقيق، وبالتالي معرفة الدخلاء الذين يجعلون من القيم الإنسانية مطية تنقلهم إلى دنياوات الثراء والترف الحسي والمالي على السواء.
ولكن فى ذات الوقت لا يمكن إغفال ما تحدثه هيمنة المؤسسة الدينية على المجتمع، وما يمكن أن تصنعه من تأثير قوي على كافة الاتجاهات، من حيث كونها قادرة على إعادة تشكيل تلك الاتجاهات وفق ما تقتضيه مصالحها الآنية فى كثير من الأحيان.
فنانون ومبدعون سودانيون إفتخر بهم الفن لما منحوه قدراً كبيراً من الاحترام والالتزام في اشتغالهم به، واستطاعوا أن يجبروا حتى رجال الدين المتشددين على الإشادة بهم في أن جعلوا الفن رسالة إنسانية كما ذكرت سابقاً، وتبدَّى ذلك جلياً في سلوكهم اليومي، ومايرتدونه من ملابس واهتمامهم بقضايا مجتمهم وجعلها همهم الأول، ولم يكونوا سادرين فى غى رغباتهم ونزغاتهم اللحظية، ونشروا الغث من الغناء، سبيلهم إلى ذلك شعور مسبسبة، وكلمات تتمرغ فى وحل البذاءة، ومعانى حسية تطلقها مكبرات أصواتهم التى إمتلأت بها أزقة وشوارع الأحياء والمنتديات، إلا من رحم ربي، كانوا محسوبين على الحقل الفني الذي لم يستطع أن يكبح جماح تمددهم السرطاني، فباتوا الناطقين الأعلى صوتاً والأعلى مكانة بما حازوه من قلة إكتراث وضعف موهبة..لكأنما صرنا لا نحتفي إلا بغرائبية الكلمات وصخب الألحان وتوهان الهوية الفنية..وأولئك من طعنوا رسالة الفن في مقتل و(جابوا لغيرهم الكلام).
مسامرة أخيرة
استشف الوجد في صوتك
آهات دفينة ..
تتوارى بين أنفاسك
كي لا استبينه
لست أدري أهو الحب
الذي خفت شجونه ..
أم تخوفت من اللوم
فآثرت السكينة