شهادتي لله

التجربة (التركية).. والتجربة (الحبشية)!!

{ أكتب اليوم من “أنقرة” عاصمة (الأتراك) ورئاسة (العثمانيين الجدد)، حيث ينعقد المؤتمر الرابع لحزب (العدالة والتنمية) الحاكم في تركيا منذ العام 2002، الفائز بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة لثلاث دورات متتالية، متغلباً على جميع الأحزاب العلمانية والقومية، في دولة يحمي علمانيتها (الجيش) وتحرسها المحكمة الستورية العليا!!
{ قاعة ضخمة بحجم استادات كرة القدم احتضنت المؤتمر، أكثر من أربعين ألف عضو جاءوا للمشاركة في هذا المهرجان السياسي المهيب. “إردوغان” دخل القاعة وعلى يمينه زوجته السيدة “أمينة” التي كانت تتزين بالحجاب الكامل.. سيدة خمسينية، رسمت معاناة السنين، وتقشف الزوج، وتعرضه للسجن والمطاردات، ملامح وجهها، وخطوط شخصيتها المختلطة قوةً وصرامةً وهدوء!!
{ “إردوغان” – بكسر الهمزة – أخذ يمشي على ممر علوي مفروش بالموكيت الأحمر، وهو ينثر الزهور الحمراء، ومثله فعلت حرمه، مرة ذات اليمين ومرة ذات اليسار !! والجماهير تهدر، تهتف وتغني لتركيا وللقائد “إردوغان”!
{ صور رئيس الوزراء رئيس الحزب الحاكم، تملأ الطرقات، وأعلام حزب العدالة تتراقص فوق الجسور تحكي سيرة رجال بدلوا وجه تركيا، وغيروا ملامحها، لتصبح – الآن – وبعد عشر سنوات فقط من العمل، وليس الكلام، (سادس) أكبر اقتصاد في أوربا.. وثاني أعلى معدل (نمو) في العالم بعد الصين!!
{ وتركيا التي تزرع – الآن – كل شيء، وتصنع كل شيء، لا تنتج (برميل) بترول واحد!! وحكومتنا في السودان تطارد رسوم عبور بترول الجنوب وتتاجر في الذهب (الإيرادات السهلة) وتهمل مشروع الجزيرة.. أكبر مزرعة مروية في العالم!!
{ الأتراك يقدسون قيادتهم، كيفما كانت، علمانية أو إسلامية، فمقبرة “أتاتورك” عبارة عن مزار ضخم، يربط بين بوابته والمبنى طريق مرصوف بقطع أسمنتية، يفصل (النجيل) الطبيعي كل واحدة عن الأخرى، وكأنها لوحة مرسومة بعناية فائقة..! هذا الطريق الممتد المحاط بالتماثيل هو المكان الرسمي لاستقبال الوفود الأجنبية واعتماد سفراء الدول المعتمدين لدى “أنقرة”.
{ وبين (تقديس) “أتاتورك” العلماني وتبجيل “إردوغان” الإسلامي، تكمن طبيعة الشعب التركي (المنضبطة جداً)!!
{ نحن في السودان، نحتاج إلى الكثير من الضبط والانضباط في ممارساتنا السياسية وحتى الاجتماعية .
{ نحتاج أن نتعلم – أولاً – كيف نمشي، كيف نجلس بتحضر في شارع النيل، وأي شارع.. كيف نمنع أنفسنا من رمي بقايا السندوتشات وعلب المياه الغازية على الطرقات.. كيف نوقف سياراتنا في الشارع العام (ثقافة الباركنج)، حتى تتمكن دولتنا من (الوقوف) على رجليها، لا على (لساتك) وزير المالية “علي محمود” في وصفه للدولة السودانية (عربية لساتكها تعبانة)!!
{ نحتاج أن نتعلم من الأتراك، لا، بل حتى من جيراننا (الأحباش)، أهل الحضارة الراسخة، الذين تعود بعضنا أن يسخر منهم.. كذباً  وادعاء!! الأحباش طاقة لا تتوقف.. عمل ووفاء لصاحب العمل إن أحسن المعاملة.
{ ويكفي أنهم يحرسون بيوتنا، ويحرسون لنا (أبيي)!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية