مع الشيخ “الترابي”.. حوارات (الشباك) !!
ظل الشيخ الراحل “حسن عبد الله الترابي” الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية، يشكل مادة دسمة ومثيرة وجاذبة للصحافة السودانية طيلة سني (الإنقاذ) الماضية، سواء كان حاكماً منظراً للدولة ومرشداً لمشروعها السياسي والفكري، أو معارضاً شرساً لها وحبيساً في سجونها .
ما نشرنا عنواناً من حديث “للترابي”، في صفحاتنا (الأولى) بالصحف السياسية المختلفة التي عملنا بها إلا وكان سبباً في زيادة التوزيع والانتشار، وهذا يعكس أثره وتأثيره وقيمته السياسية والفكرية الرفيعة بين عامة أهل السودان .
ولهذا، كنت حريصاً جداً أن افتتح أي صحيفة جديدة بحوار مع الشيخ “الترابي”، لأضرب عدداً من العصافير بحجر واحد، وأهمها اكتساح السوق، وقد كان !
آخر حوار مع الشيخ كان في العدد الأول لـ(المجهر السياسي) عن قضية محددة وتحت عنوان: (الترابي يجيب: من هو خليفة الرئيس “البشير”؟) .
اتصلت قبل شهر من تاريخ صدور العدد (الأول) بأحد قيادات المؤتمر الشعبي المعروفة بقربها الشديد من الشيخ في تلك الفترة، وطلبت منه تحديد موعد لنا لإجراء حوار مع زعيم المؤتمر الشعبي، وافق الرجل ووعد بإنجاز المهمة، غير أنني ظللت أتابع مع الزميل “طلال إسماعيل” اتصالاته بالقيادي المثير للجدل وبسكرتارية الشيخ، دون فائدة .
عندما تبقت لموعد العدد الأول خمسة أيام، حملت أوراقي ومسجلي وقلت للأخ “طلال” والمصور “شالكا”: (هيا بنا إلى المنشية) .
ذهبنا إلى دار الشيخ دون موعد، وبعد أن ضيفونا في الصالون الفسيح بعصير “الكركدي” المثلج، حدثني أحد أفراد الحراسة أن الشيخ (طالع إلى عزاء)، قلت له: لا بأس.. أخبره فقط أن “الهندي عزالدين” في الصالون.
بعد دقائق سمعت صوت الشيخ من الداخل وهو متجه إلينا: (أستاذ الهندي؟ لكن أنا عندي موعد تاني …)!!
سلم علينا بطلته الأنيقة.. ودخلنا الصالون الداخلي خلفه بعد أن طلبت منه مدة (ربع ساعة).. لا أكثر. قلت له: لقد طلبنا هذا الموعد قبل شهر من أستاذ “فلان”. رد عليَّ: لكن “فلان” لم يحدثني عن (المجهر).. بل ذكر لي صحيفتين أخريين !!
لم أضيع وقتاً.. فوراً أخرجت جهاز التسجيل وبدأت أسأله في الموضوع المحدد.. بفكرة مختلفة.. أن اطرح عليه بعد السؤال الافتتاحي عن توقعاته للمشهد السياسي داخل المؤتمر الوطني في حال شروعه في ترتيبات اختيار خليفة للرئيس “البشير” (كان ذلك في أبريل من العام 2012)، أن أطرح عليه أسماء مساعديه السابقين وتلاميذه في صف قيادة المؤتمر الوطني ليحلل لي شخصياتهم وقدراتهم القيادية.
مضى الحوار سلساً، وعندما أغلقت جهاز التسجيل بعد نحو (20) دقيقة شعرت أن الشيخ غير مرتاح، وأنه قال ما لم يرد أن يقله، خاصة أنه تعود ألا يذكر أسماء عندما يمدح أو ينتقد شخصاً، فيقول (الأول) إذا أراد “البشير”.. مثلاً.. ويقول (الثاني) إذا قصد “علي عثمان ” !!
قال لي: (ياخي أنا لم أتعود أن أذكر أسماء وأوجه حديثي عن أشخاص.. فأرجو أن تأتي لي بالحديث لأراجعه قبل النشر).. ثم فارقناه بالتحية والاحترام .
في الطريق إلى مقر صحيفة (المجهر).. قلت “لطلال”: حوار قنبلة.. العدد الأول انتهى من السوق !!
لم أذهب بنص الحوار إلى الشيخ “الترابي” كما وعد، وكنت واثقاً أنني سأخرجه بشكل يعجبه وإن تحفظ ابتداءً على الطريقة .
وبالفعل.. وبعد النشر.. علمت أن الشيخ بدا مرتاحاً للنشر.. وقد ذكرت في المقدمة طلبه لمراجعة النص.. وأنني لم أنفذ الطلب ما دام أنني لم أحرف الحديث، بل إنني عالجت بالحذف – حباً في الشيخ – بعضاً من المفردات والأوصاف التي ربما أثارت عليه حنق البعض، وفي ذات الوقت هي ليست ذات قيمة تذكر للزعيم السياسي الكبير، ولا تمثل إضافة للحوار.
تحقق ما توقعته وكان توزيع العدد الأول لـ(المجهر) نسبة (99%) من المطبوع !! كان ذلك في زمن الدولار ب(5) جنيهات وطباعة النسخة تكلف (45) قرشاً !!
رحم الله الشيخ العالم.. الزعيم الروحي والمفكر السياسي الأكبر في تاريخ السودان الدكتور “حسن الترابي”.. تقبله الله مع النبيين والصديقين والصالحين.